للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانَ لأهلِ السُّنَّةِ إمامٌ يصلِّي بهم الصَّلواتِ فقط، وكانَ السلطانُ بعدَ ذلك يبعثُ مع الحاجِّ شخصًا يقيمُ لأهل السُّنَّةِ الخطابةَ والإمامةِ إلى نصفِ السَّنَةِ، ثمَّ يأتي غيرُه مع الرَّجَبِيَّةِ إلى ينبعَ، ثُمَّ إلى المدينةِ، وكلُّ مَن جاء لا يقدرُ على الإقامة نصفَ سنةٍ إلا بكُلفةٍ ومشقَّةٍ؛ لتسلُّطِ الإماميَّةِ من الأشرافِ وغيرِهم عليه، ثمَّ خطبَ مِن بعدِ السِّراجِ شخصٌ يقالَ له: شمسُ الدِّين الحَلَبِيُّ (١)، ثُمَّ شَرفُ الدِّين السِّنْجارْيُّ (٢)، ثمَّ عادَ السِّراجُ فخطبَ بالمدينةِ أربعينَ سنةً، ثمَّ سافرَ لمصرَ ليتداوى، فأدركَهُ الموتُ بالسُّويس مُتوجِّهًا إلى مصرِ، وذلكَ في سنةِ ستٍ وعشرينَ.

وكانَ لمَّا استقرَّ في الخطابةِ عَمِلَ معه الإماميةُ من الأذى ما لا يصبرُ عليه غيرُه، فصبر واحتسبَ، حتَّى إنَّهم كانوا يرجُمُونه بالحَصباءِ وهو يخطبُ على المنبر، فلمَّا كَثُرَ ذلك منهم تقدَّمَ الخُدَّامُ وجلسوا بينَ يديه، فذلكَ هو السَّببُ في إقامة صَفِّ الخدَّامِ يومَ الجمعةِ قُبالَةَ الخطيبِ، وخلفَهُم غِلمانُهم وعبيدُهم خدمةً وحمايةً للقضاة، وتكثيرًا للقلَّةِ ونصرًا للشَّريعةِ، وكانَ يصبحُ فيجدُ بابَهُ ملطَّخًا بالقاذوراتِ، ويتَّبِعُونه بكل أذىً وهو صابرٌ، وربَّما عَذَرَهُم لاحتراقِهم على خروج المنصبِ من أيديهم بعد تَوَارُثِهِم له.


(١) محمَّد بنُ إسماعيل. ستأتي ترجمته للمصنِّف.
(٢) في الأصل: السخاوي، وهو تحريف، وسيأتي.