للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وشرعَ هو في تحصيلِ الحَجَرِ والمؤونةِ، فما أتى الحاجُّ حتَّى اجتمعَ مِن أنواعِ الحجرِ كلِّها كالجبالِ في ما بينَ بابي الرَّحمةِ والسَّلام، وأمرَ بالحفرِ لها في مكانِها اليومَ، فلم ينزلوا إلا قليلًا إذ وجدوا بابَ مروانَ بنِ الحكمِ أسفلَ مِن أرضِ المسجدِ بقدرِ قامة، ثمَّ وجدوا برنيةَ فخَّارٍ مُرمَّمةً، ملأى بدراهمَ مُظفَّرِيَّةٍ، قد استحالتْ صفتُها مِن طولِ مُكثِها، ثمَّ وجدوا تحصيبَ المسجدِ عامرًا في سائرِ المسجدِ القديم.

وكانَ الحريريُّ يباشرُ ذلك كلَّه بنفسِه ومالِه وخدَّامِهِ باجتهادٍ تامٍّ، وانتفعَ النَّاسُ بها جدًّا، معَ أنَّ المقدَّمَ في الهندسةِ كانَ منعَ مِن بنائِها إلا بعدَ هدمِها، بنَوه بغيرِ مشورتِه، فلم يلتفتْ الشَّيخُ لذلك، وما ظهرَ لقولِ المهندسِ أثرٌ.

وللحريريِّ مِن الآثارِ الحسنةِ تبطيلُ الطَّوافِ بالشَّعلِ مِن جريدِ النَّخلِ، وإبدالهُا بالفوانيسِ التي يطوفونَ بها اليومَ، كلَّ ليلةٍ بعد صلاةِ العشاءِ الآخرةِ، بلْ كانَ يُوالي المجاورين، ويُحسنُ إليهم، ويقضي حوائِجَهُم.

ومناقبُهُ كثيرةٌ، وحسناتُهُ عديدةٌ، ودارُ الشُّبَّاكِ التي كانتْ ببابِ الرَّحمةِ، هو الذي جدَّدَ لها الشُبَّاكَ الذي صارتْ معروفةً بِهِ؛ لكونِهِ ليسَ حولَ المسجدِ دارٌ لها شُبَّاكٌ في جدارِ المسجدِ غيرُها، بحيثُ كانَ ذلك مِن جملةِ الأسبابِ التي طرقتْهم الشَّبابيكُ في وقتنا لمدرسةِ الأشرفِ مع التَّظاهرِ بالإفتاء. ماتَ سنةَ إحدى عشرةَ وسبعِ مئةٍ. وخلفَه في المسجدِ سعدُ الدِّينِ الزَّاهريُّ.

وقالَ المجدُ (١): تولَّى المشيخةَ في عامِ سبع مئةٍ، بعدَ موتِ عزيز الدَّولةِ العزيزيِّ،


(١) "المغانم" ٣/ ١٢٦٩ - ١٢٧٣.