للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيهم، حتَّى كانَ الذي يجتمعُ به لا يشكُّ أنَّه مغربيُّ الأصلِ؛ لملابستِه إيَّاهم، وكانَ قد يسَّرَ اللهُ عليه تدوينَ الحديثِ والعلمِ، فلا تسألُه عن شيءٍ مِن علمِ الحديثِ ورجالِه إلا وجدتَ عندَه منه طَرَفًا جيِّدًا، وحِفظاً حسنًا، صنَّفَ تصانيفَ كثيرةً، واختصرَ مطوَّلاتٍ كثيرةً، وتردَّدَ إلى مكَّةَ والمدينةِ، ثمَّ أقامَ في المدينةِ في آخرِ مدَّتِه، وتزوَّجَ بها يمانيةً، فولدتْ له اثنتين سمَّاهما طابةَ وطيبةَ، وسُرَّ بهما في آخرِ عمرِه، ثمَّ إنَّهما تُوفِّيتا، فحزِنَ لفقدِهما حتَّى كادَ يفنى لفنائهما.

وقالَ المجدُ (١): الشَّيخُ أبو عبدِ الله الآقشهريُّ، ثمَّ الأخلاطيُّ، الشَّيخُ أمينُ الدِّين، ارتحلَ مِن بلادِ الرُّومِ إلى بلادِ المغربِ في شبابِه، وتجرَّدَ لالتماسِ العلمِ وتِطلابِه، وطلبِ الفضلِ والأدبِ مِن أبوابِه، وطافَ في أقطارِ الأندلسِ وجال، ولقيَ مِن أهلِ العلمِ فُحولَ الرِّجال، واقتبسَ مِن أنفاسِهم، وأَنِسَ مِن ناموسِ نبراسِهم، وتعلَّمِ مِن تبيانهم، وتكلَّمَ بلِبانِهم، وتأسَّن (٢) بأَنْسَائهم (٣)، فتحَ اللهُ عليه في خِدمةِ الحديثِ بابًا، سهُلَ عليه مَدخلُه، فعلمُ الحديثِ وتدوينُه محطُّهُ ومَرحَلُهُ، صنَّف فيه تصانيف وجمعَ، وألَّفَ فيه تآليفَ ونفَع، وكانَ متردِّدًا بينَ الحرمين، رافعًا مِن شرفِ جوارِهما عَلَمين، ثمَّ إنَّه اختارَ بالآخرةِ مجاورةَ المدينة، ورزقَه اللهُ بها مِن التَّمنِّياتِ حَليلةً مَدَنِيَّة، فأحبَّت الشَّيخ واختارَت على الدُّنيا جَنابه، وأتتْ منه ببنتينِ، فسمَّاهما طيبةَ وطابة،


(١) "المغانم المطابة" ٣/ ١٢٨١.
(٢) تَأسَّن أباه: أخذ أخلاقه. "القاموس المحيط": أسن.
(٣) الأنساءُ جمعُ نَسْءٍ، وهو اللَّبن الرقيق الممذوق بالماء. "لسان العرب": نسأ.