للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد قرأهَا علينا رفيقُه وأخوه في الله، الشَّيخُ الإمامُ، العالمُ العاملُ، رُحلةُ زمانِه، ونادرةُ إخوانِه، أبو جعفرٍ أحمدُ بنُ يوسفَ بنِ مالكٍ الرُّعينيُّ الغرناطيُّ، بحضرتِه في الرَّوضةِ النَّبويّة سنةَ ستٍّ وستين وسبعِ مئةٍ، وكانا قد سألاني أنْ يسمعا عليَّ "صحيح البخاري" فأجبتُهما لذلكَ اغتنامًا لمجالستِهما، واقتباسًا مِن فوائدهما، فكانَ أبو جعفرٍ هو القارئَ، وإذا فرغَ مِن المجلسِ أنشدَ بيتًا مِن "ديوانِ" رفيقِه، وهو ديوانٌ عظيمٌ في مجلدين، لتيسيرِ اللهِ تعالى النَّظمَ عليه، بحيثُ ذَكرَ عنه أنَّه قال: أقدرُ أنظمُ في اليومِ الواحدِ بلا كلفةٍ ثلاث مئةِ بيتٍ، بل كانت تُقترحُ عليه وهو على السِّماط (١) الأشياءُ، فيُملي فيها على الكاتب الأبياتَ المتعددِّةَ، بلا تكلُّفٍ، كلُّ هذا مع البلاغةِ والفصاحةِ، ودقَّةِ المعنى، وغالبُ تصانيفِه منظومةٌ، وكذا لرفيقِه أبي جعفرٍ نظمٌ حسنٌ بديعٌ.

وقد سبقتْ لهما مجاورةٌ بالمدينةِ أيضًا سنةَ ستٍّ وخمسين، وانتفعَ الطَّلبةُ بهما في هاتين المجاورتين، وقُرئَ عليهما كتبٌ متعدِّدةٌ في العربيةِ، والأصلينِ، واللُّغة، والعَروضِ، والبديعِ، وغيرِها، وسُمِعَ عليهما الحديثُ، وفي المجاورةِ الأولى شَرَحَ صاحبُ التَّرجمةِ "ألفيةَ ابنِ مالكٍ" شرحَه المفيدَ، الذي عمَّ به النَّفعُ، واشتُهر اشتهارًا عظيمًا، ولهما معًا تصانيفُ كثيرةٌ، وأوضاعُ مفيدةٌ، ولو رُمنا ذكرَها، ووصفَ محاسنِها، لخرجنَا عن


= وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ بِالسَّفَرِ زِيارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ دُونَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ فَهَذِهِ المُسْأَلةُ فِيهَا خِلَافٌ. فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَأَكْثر الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا مَأْمُورٍ بِهِ. "مجموع الفتاوي" ٢٧/ ٢٦، وينظر كلام الذهبي في: "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٤٨٤.
(١) السِّماط: ما يمدُّ عليه الطعام. "القاموس المحيط": سَمَطَ.