للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دخولِه المكتبَ في أواخرِ السَّنةِ الخامسةِ مِن عمرِه، فكانَ يعتمدُ على رفيقِه في خروجِهما إلى المسجدِ ورجوعِهما، وفي بلادِهما كانا كذلكَ لا يفترقان أصلا، ولا يعتمدُ على مملوكِه إلا في النَّادرِ إذا حصلَ لرفيقِه عذرٌ عظيمٌ، وإذا دخلَ الإنسانُ بينَهما لم يفرِّقْ بينَ مجلسيهما إلا بالكُتبِ لقربِهما، من أبي جعفرٍ لتساوي القراءتين (١)، وجميع ما ينطق بهما من الأغطية والأوطية.

ومِن أعجبِ الأشياءِ أنَّهما يمرضانِ جميعا، ويصحَّانِ جميعًا، كما شاهدتُه منهما في المجاورةِ الثَّانية، مرضَ أبو جعفرٍ في يومٍ، وأبو عبدِ اللهِ في اليومِ الثَّاني، وتمادَى بينهما المرضُ مدَّةً طويلةً، وكانَ المرضُ واحدًا، وكذا كانَ مولدُهما في سنةٍ واحدةٍ، وهي ثمان وسبعُ مئةٍ، فصاحبُ الترجمةِ بالمَرِيَّة، والآخرُ بغرناطة، ثمَّ اجتمعَا في شبوبيتِهما في مجالسِ العلمِ، فأَلِفَ أحدُهما الآخرَ، فاصطحبَا، ولم يفترقا، لا فرَّقَ اللهُ بينهما بسوءٍ، ثمَّ ارتحلا مِن بلادِ الأندلسِ، ودخلا غالبَ بلادِ المغربِ، ورويا الحديث، وأخذا العلمَ عن الشُّيوخِ، ولهما "تأليفٌ" فيمَنْ اجتمعَا به في رحلتِهما، ثمَّ قدِما المشرقَ بعلمٍ كثيرٍ، وكانَا في سنةِ إحدى وأربعينَ مقيمينِ بدمشقَ، في دارِ الحديثِ، واجتمعَ بهما أخي عليٌّ في تلكَ السَّنةِ بها، ثمَّ ارتحلا إلى حلبَ، فأوطناها إلى الآن، ورتَّبَ لهما السُّلطانُ في البيرةِ (٢) مِن أعمالهِا ما يكفيهما، واشتُهرَ ذِكرُهما وفضلُهما، وخدمَهما رؤساءُ البلادِ، وسَراةُ النَّاسِ، ومدحَهما الأدباءُ وكتَّابُ الإنشاء، وتَخرَّجَ بهما الطَّلبةُ، وهما اليومَ في تلكَ البلادِ


(١) كذا في الأصل، غير واضحة.
(٢) البيرة: بلد قرب حلب. "معجم البلدان" ١/ ٥٢٦.