للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسيِّبِ، لم يُخلِّف مثلَه، كانَ أفضلَ من مالكٍ إلا أنَّ مالكًا أشدُّ تنقيةً للرِّجال منه، ولمَّا بلغَهُ أنَّ مالكًا لم يأخُذْ بحديثٍ (١): "البيِّعانِ بالخِيارِ" قالَ: يُستتابُ، فإن تابَ، وإلا ضُرِبَتْ عُنُقُه (٢). ثُمَّ قالَ أحمدُ: هو أورَعُ وأقولُ بالحقِّ منه، انتهى.

وقد هَجَرَهُ مَالِكٌ لِمَا نُسِبَ إليه من القَدَر، وكلُّهم أئمَّةٌ رَضِي الله عنهم أجمعينَ، ونَفَعَنا بِهِم وبعلومهم، وقالَ الواقديُّ فيما رواه ابنُ سعدٍ (٣) عنه: كانَ مِنْ أورَعِ النَّاسِ، وأفضلِهم، ورُمي بالقَدَرِ، ولم يكن قَدَريًا، فإنَّه كاَن ينفي قولَهم ويعيبُهُ، ولكنَّه كانَ رجلًا كريما، يجلِسُ إليه كلُّ أحدٍ ويغشاهُ فلا يطرُدُه، ولا يقولُ له شيئًا، وإن مَرِضَ عادَهُ، فكانوا لهذا وشبهِهِ يتَّهِمُونه بذلك.

وقالَ مصعبٌ: معاذَ اللهِ أن يكون قَدَرِيًا، إنما كان في زَمَنِ المهديِّ قد أخذوا القَدَرِيَّةَ، وضربُوهم، ونَفَوهم، فجاءَ قومٌ منهم، فَجَلَسُوا إليه، واعتَصَمُوا به من الضَّرْبِ، فقيل: هو قَدريٌّ لذلك، لقد حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ به أنَّهُ ما تَكَلَّم فيه قَطُّ.


(١) أخرجه البخاريُّ في البيوع، باب: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا (٢١١٠) عن حكيم بن حزام، وغيره.
- وقد أوَّلَ الإمام مالك التفرُّق بالأقوال، لا بالأبدان، كما يفيده ظاهر الحديث، ولذا قال في "الموطأ" ٢/ ٦٧١ بعد ذكر الحديث: وليس لهذا عندنا أمر معروفٌ، ولا أمرٌ معمولٌ به فيه.
قال الذَّهبيُّ في "سير أعلام النبلاء" ٧/ ١٤٣: فمالكٌ إنما لم يعمل بظاهر الحديث؛ لأنه رآه منسوخًا، وقيل: عمل به، وحمل قوله: "حتى يتفرَّقا" على التلفُّظ بالإيجاب والقبول، فمالكٌ في هذا الحديث وفي كلِّ حديث له أجرٌ ولا بدَّ، فإن أصاب ازداد أجرًا آخر.
وانظر: "إكمال المُعلِم بفوائد مسلم" للقاضي عياض ٥/ ١٥٧ - ١٥٩.
(٢) "العلل ومعرفة الرجال" ١/ ٢١٨.
(٣) "الطبقات الكبرى"، القسم المتمم، ص: ٤١٣.