للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ الواقديُّ: وكان يصلِّي الليلَ أجمعَ، ويجتهدُ في العبادة، ولو قيل له: إنَّ القيامةِ تقومُ غَدًا ما كانَ فيه مزيدٌ من الاجتهاد.

وأخبرني أخوه أنَّه كانَ يصومُ يومًا ويفطرُ يومًا، ثم سرَدَ الصَّومَ، وكانَ شديدَ الحالِ يتعشَّى الخبزَ والزَّيتِ، وله قميصٌ وطيلسان يُشتي فيه ويُصيِّفُ، ولا يغيِّر شيبَهُ، وكانَ مِن أشدِّ النَّاس صرامةً، وقولًا بالحقِّ، ويحفظ حديثَهُ، لم يكن له كتابٌ، ويروحُ إلى الجمعة باكرًا، فيصلِّي حتى يخرجَ الإمام، ورأيته يأتي دارَ أجدادِهِ عند الصَّفَا، فيأخذ كِراءَها.

ولما خرجَ محمدُ بنُ عبد الله بنِ حَسَنٍ (١) لَزِمَ بيتَهُ إلى أنْ قُتِلَ محمدٌ.

وكانَ الحسنُ بنُ زيدٍ (٢) الأميرُ يُجري عليهِ كلَّ شهرٍ خمسَ مئةِ دينارٍ، وقد دخل مَرَّةً على عبد الصمدِ بن عليٍّ والي المدينةِ، فكلَّمَهُ في شيءٍ، فقالَ له: إني لأراكَ مُرائِيًا، فأخذَ عُودًا، وقال: مَن أُرائي؟ فوالله لَلنَّاسُ عندي أهونُ من هذا.

ولما وَلِيَ جعفرُ بنُ سليمانَ المدينةَ بعثَ إليه بمِئَةِ دينارٍ، فاشترى منها ساجًا (٣) كردِيًا بعشرةِ دنانيرَ، فلَبِسَهُ عُمْرَه، وقَدِمَ به عليهم بغدادَ، فلم يزالوا به حتَّى قَبِلَ منهم، فأعطوهُ -يعني الدولةَ- ألفَ دينارٍ، فلمَّا رَجَعَ (٤)، ماتَ بالكوفة. انتهى.


(١) تقدم، وانظر خبر ذلك في "تاريخ الطبري" ٧/ ١٧ سنة ١٤٤ هـ، و"الكامل"، لابن الأثير ٥/ ٥١٣.
(٢) تقدَّمت ترجمته في حرف الحاء.
(٣) السَّاج: الطَّيلسان الضَّخم الغليظ. "لسان العرب": سوج.
(٤) في المخطوطة: رد، ولا تصحُّ، والتصويب من "سير أعلام النبلاء" ٧/ ١٤٢.