للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولمَّا حجَّ المهديُّ، ودخلَ مسجدَ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- لم يبقَ أحدٌ إلا قامَ إلا هو، فقال له المسيِّبُ بنُ زُهيرٍ: قُمْ، هذا أمير المؤمنين، فقالَ: إنما يقومُ النَّاسُ لربِّ العالمين، فقالَ له المهديُّ: دعْه، فلقد قامتْ كلُّ شعرةٍ في رأسي.

وقالَ لأبي جعفرٍ المنصورِ: قد هلكَ الناسُ، فلولا أغنَيْتَهُم مِنَ الفَيءِ، فقال: ويلَكَ لولا ما سَدَدْتُ من الثُّغورِ لكنت تُؤتى في منزلك فتُذْبَحَ، فقال: قد سَدَّ الثُّغورَ، وأعطى النَّاسَ مَن هو خيرٌ منك، فنكَّسَ المنصورُ رأسه، وقال: هذا خيرُ أهلِ الحجاز، بل قال له: ما تقولُ فيَّ؟ [قال:] إنَّكَ لجائرٌ، فأخذ الرَّبيعُ بلِحيَتِهِ، فكفَّه المنصورُ، ووبَّخَهُ، وأمرَ له بثلاثِ مئةِ دينارٍ، ولذا قال أحمد: إنه لم يَهُلْه أن قال لأبي جعفر الحقَّ، حيث قال له: الظُّلمُ بِبَابِكَ فَاشٍ. قالَ: وأبو جعفرٍ أبو جعفرٍ (١).

دعا الرَّشيدُ فقهاءَ أهلِ المدينة، وَهُوَ ومالكٌ فيهم، وسألهم عن سيرتهِ، فكلُّهُم قال ما حَضَرَه مِن تحسينِ ما هو عليه، وابنُ أبي ذئبٍ ساكتٌ، فسأله عن ذلك، فقال: إنْ رأى أمير المؤمنين أن يُعْفِيَني فَعَلَ، فقال له: بل أسألكَ أَنْ تَصْدُقَنِي، فقال: أما إذا سألتَ، فإني أراكَ ظَالِمًا عَسُوفًا، قعدتَ في أمر ليسَ لك، وغصبْتَه عمَّنْ هو له بِحَقٍّ، ثم تأخذُ الأموالَ مِنْ حيثُ لا تَحِلُّ، وتُنفقُها فيما لا يُرضي اللهَ ورسوله، ولو وجدتُ أعوانًا أطلقتُكَ مِنْ هذا الأمر، وأدخلتُ فيه مَن هو أنصحُ لله والمسلمينَ منك، فأطرَقَ الرَّشِيدُ برأسِهِ، قالَ مالكٌ: وضممتُ إليَّ


(١) كتب فوقها في الأصل: صح.