للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانَ يستعينُ بما يحصلُ له، وقدَّر اللهُ انتقالَ تلكَ النسخةِ إلى المدينةِ، ووقَفَها بالمدرسةِ الشِّهابِيَّةِ مع نسخةٍ أخرى بخطِّه نَسَخَها في إقامَتِهِ بالمدينةِ، ولمَّا حجَّ رجع إلى تونسَ، فوجد المرجانيَّ المشار إليه قد ماتَ، فَحَمَلَ كُتُبَهُ، وهي كثيرةٌ جليلةٌ، وجُلُّها أو كلُّها بخطِّهِ، وبعضها بخطِّ أبيه، فلمَّا وصلَ إسكندرية باعَهَا، ولم يبقَ مَعَهُ إلا ما هو محُتاجٌ إليه، وقَدِمَ المدينةَ، فسكنَ المدرسةَ الشِّهابِيَّةَ منها، بين تلك الساداتِ، ونيَّتُهُ أن لا يشتَغِلَ بغيرِ نفسِهِ، ولا يتعرَّفَ بأحدٍ من أبناء جنسِهِ، فألزمُوه بحضورِ الدَّرْسِ لأجلِ المسكنِ، فَفَعَلَ، فاشتُهِرَ عِلْمُهُ، وفضيلَتُهُ، وتفنُّنُهُ في علومٍ، فعُظِّم عندَ الجماعةِ، وأحبُّوه، ولَزِمُوه، واشتغلوا عليه في الفقهِ، والعربيَّةِ، وجماعةٌ في علم الهَيْئَةِ، فأبانَ عن فضيلةٍ تامَّةٍ، وكَثُرَ المُشْتَغِلُ عليه في علم الميقاتِ، بحيثُ انقطعَ وقتُهُ معَ المشتغلينَ به، كما قاله لي، قالَ: وحرتُ في الخلاصِ منهم لا سيَّما وقد سمعتُ شخصًا مِن العوامِّ يقولُ لجلسائه يومًا: ما رأيتُ أعلمَ من هذا المُنجِّم! قالَ: فقلتُ في نفسي: لقد أسأتُ باشتهاري بهذا العلمِ حتى أُطلقَ عليَّ هذا الاسم، فتركتُ الاشتغال فيه، وكان له اختلاطٌ بساداتٍ من الشيوخِ: أبي عبدِ الله البسكرىِّ، وأصحابِهِ، وأبي الحَسَنِ، وعبدِ الواحدِ الجزوليِّ، وأبي العلاءِ الأَندلسيِّ، وأبي إسحاقَ، وبجماعةٍ مِنْ صُلَحَاءِ الخُدَّامِ، ومِمَّنْ لا يُحصَى كثرةً، فَعَرَضُوا عليه التزوُّجَ، فامْتَنَعَ، فلَمْ يزالوا به حتَّى زوَّجُوهُ أكبرَ بناتِ الشريفِ عبد الواحدِ الحسينيِّ الأربعِ، الثابتِ النِّسْبَةِ بالقاهرَةِ، ليتعاطى مِن وَقْفِ بلقسَ الموقوفِ على الشُّرفاءِ، بل لما حَجَّ نقيبُ الأشرافِ أوقفتُه على ذلك الثبوتِ، فصار يصرِفُ لابنَتِهِ مباركةَ حتى ماتت، وكان في تَزَوُّجِ أبي بالشريفةِ البِرُّ التَّامُّ بنا، إذ