للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يتغيَّر أبدا ولا يتحوَّلُ؟ قال: فقلتُ له: لا، فقال لي: انظر إلى أبي عبد الله بنِ فرحونٍ منذ دخلَ المدينةَ، لم يتغيَّر حالُهُ، انتهى.

وكانَ قد تركَ الاشتغالَ بنا، فكُنَّا نغيبُ، فلا يسألُ عنَّا، ونَمْرَضُ، فلا يُهمُّه مَرَضُنا، بل يسألُ اللهَ لنا، ويدعو لنا، فنحنُ في بَرَكَتِهِ وبَرَكَةِ دُعَائِهِ.

أخبرني أنَّه خرجَ يومًا في الموسمِ عند قدومِ بني عُقْبَةَ، يريد شراءَ نَفَقَةٍ، وكان غالبُ عيشِ المدينةِ مِنْ زرعها، وزرعِ السُّوارقيَّةِ، لا يأتي مِن الشَّامِ إلا قليلٌ، حتَّى كانَ السعيدُ يدخلُ بيتَه حِملٌ أو حملان، وكانَ لبوَّابِ الدَّربِ على مَن يشتري مُكسٌ كبيرٌ، وخَراجٌ عظيمٌ، قالَ: فاشتريتُ حِملَ قَمحٍ، فلمَّا دَنَوتُ مِنَ الدَّربِ، قال لي صاحبُ الحِملِ: أنا ما أدخلُ به، أخافُ أن أُطالبَ بِخَرَاجِهِ، قال: فقلتُ له: سُقِ الحملَ، وأنا أتكفَّلُ بما يريدونَ مِنكَ، ففعلَ، فلمَّا أردتُ الدُّخولَ قرأتُ أوائل سورةِ يس، وتعوَّذتُ، ودخلتُ مع الحِمْلِ، فلم يَرَونِي، ولا عَرَفُونا، فجاءهم مَن ذكرَ لهم أنَّني اشتريتُ حِملَ قمحٍ، فقالوا: لم يدخُلْ به من عندَنا، ولا رأيناُه، فدفعَ الله شرَّهُم عنه لمَّا عَلِمَ صدقَهُ وضرورَتَهُ لِعِيالهِ، فَمَنْ كان مَعَ اللهِ كانَ اللهُ مَعَهُ، ماتَ في يوم الخميسِ رابع عشري ربيع (١) سنةَ إحدى وعشرينَ وسبعِ مِئَةٍ.

ورآه أخي عليٌّ بعد موتِهِ في النَّوم، فقالَ له: يا سيِّدي، ما فعل الله بِكَ؟ فقال: أعطاني وَحَبَاني، فها أنا في مَقْعَدِ صِدقٍ عند مليكٍ مقتَدِرٍ، وتَبِعَهُ المجدُ كذلك.


(١) بياض بالأصل.