للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكَانَت فيه شِدَّةٌ عَلَى الأشرافِ، ذا هَيْبَةٍ عظيمةٍ، سقاهُمُ المُرَّ، وأذاقَهُمُ الصَّبِرَ، وأَمَّا سَطْوَتُهُ عَلَى الإماميَّةِ وتوبيخُهُ لَهُم في المحافلِ وسبُّهُم عَلَى المنبرِ، فَأمرٌ مشهورٌ عن وصفِهِ.

وكَانَ إِذَا قَامَ في أمرٍ لا يَرْجِعُ عنه ولا يخافُ عاقِبَتَهُ، مُتَمَسِّكًا بالسُّنَّةِ يتَّبِعُ أشدَّهَا ويحمِلُ نفسَهُ عَلَى أشَقِّهَا، رأيتُهُ في يومٍ صائفٍ مُحْرِمًا مُتَجرِّدًا راكبًا على حمارٍ لم يزل عليه حتى أكمَلَ حَجَّهُ ورجعَ إلى المدينةِ ليسَ لَهُ مَرْكَبٌ غيرُه.

ورأيتُهُ وقد أكَلَتْهُ الشَّمسُ وتَقَشَّرَ جلدُهُ ودَمِيَ وَجْهُهُ، فَعَرَضْتُ عليه الرُّكُوبَ في الشُّقْدُفِ (١) فلم يفعَلْ، وكان قد أرادَ أن يُسَوِّيَ الحُفرَةَ (٢) التي في المحرابِ النَّبويِّ ببناءٍ أو أخشَابٍ، فَعُورِضَ فتركَ الصَّلاةَ في المحرابِ وصار يُصَلِّي على يَسَارِه قريبًا من الشُّبَّاكِ إلى أن مات.

وهو أبطلَ صَلاةَ ليلةِ النِّصْفِ مِن شَعبانَ (٣)، وَكَانَ إبطالُها عَزِيزًا عَلَى النُّفُوسِ لاعتيادِه معَ مبتَدعَاتٍ كثيرةٍ معها.


(١) الشُّقدفُ: مركب معروف بالحجاز يركبه الحجاج إلى بيت الله الحرام، والجمع: شقادف. "تاج العروس" شقدف.
(٢) وعن تاريخ هذه الحفرة ينظر: "وفاء الوفا" ٢/ ٩٠ - ٩٣ ط: دار الزمان.
(٣) كان يُدَّعى أن فيها أحاديث، مرَّة تصلَّى مائة ركعة، وفي رواية: عشر ركعات يقرأ بِها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ألف مرة، إلى غير ذلك من الروايات، قال السُّيوطيُّ في الحديث الوارد بذلك: موضوعٌ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل، وفيهم ضعفاء. "اللآلئ المصنوعة" ٢/ ٥٩.