للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خلفَ قُبَّتِهِ، وكان يحكِي عن البدرِ ابنِ جماعَةَ قولَهُ: قَطْعُ الرُّؤوسِ ولا قَطْعُ الدُّرُوسِ، ورَجَعَ من القاهرةِ في سنةِ أربعٍ وأربعينَ وهو مَرِيضٌ، فَبَقِيَ كذلك أَشْهرًا من التي بعدها ومات، واستنابَنِي قبل موتِهِ في الإمامةِ والخطابةِ، بل كُنتُ قبل ذلك أُصَلِّي بالناسِ في غَيبتِه بعضَ الصَّلواتِ، وبيننا موَدَّةٌ كبيرَةٌ.

وذكرَهُ شيخُنا في "دُرَرِهِ" (١) فقال: إنَّه برع في الفقهِ، وسمع من غازي الحلاويِّ "الغيلانياتِ" ومن أبي الحسنِ ابنِ الصَّوَّافِ مَسْمُوعَهُ من "النَّسائيِّ"، ومن القُطْبِ القَسْطَلانِيِّ وغيرهم، ووَلِيَ قَضاءَ بِلْبيس والإِعادَةَ بالنَّاصِرِيَّةِ وغيرِها، والتَّدريسَ بالجامعِ الظَّافِريِّ، ثم لَخَّصَ مما تقدَّمَ ترجمَتَهُ، وأنه وَلِيَ القضاءَ والخطابةَ والإمامةَ بالمدينةِ النبويَّةِ، واشْتَدَّ في تأييدِ السُّنَّةِ، وكان مُهابًا، فَسَطَا على فقهاءِ الإماميَّةِ وسبَّهُم على المنْبَرِ ووبَّخَهُم في المَحَافِل، وكان يحمِلُ على نفسِهِ في اتِّباعِ السُّنَّةِ والجِدِّ في العبادَةِ، ويَحُجُّ على حمارٍ، ولم يكن يدخُلُ المحرابَ بل يُصَلِّي على يَسَارِهِ.

وأَبْطَلَ صَلاةَ نِصْفِ شَعْبانَ بعد أن اعتادُوها (٢) دهرًا، وزينةَ المسجدِ وكثرَةَ الوَقيدِ، فارتفعَ فسادٌ، ومَنَعَ من الهياجِ في المسجد، ونزل مَرَّةً من المنبرِ فَضَربَ رَجُلًا من الإماميَّةِ تنفَّلَ كَهَيْئَةِ الظُّهرِ، ومع ذلك فلم يقدِرْ على رفع حُكَّامِ الإماميَّةِ، وله خُطَبٌ مُدَوَّنَةٌ تُسَمَّى "الجواهرَ السَّنِيَّة"، ولم يَزَلْ على ولايتِهِ حتى ماتَ.


(١) "الدرر الكامنة" ٤/ ١٥٩.
(٢) في الأصل: "أعادوها"، والتصويب من "الدرر".