للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكَانَ يقولُ لي: والله مَا وقفتُ تجَاه الحُجرَةِ الشَّريفَةِ ودعوتُ لنفسِي إلَّا ودَعَوتُ لكَ، ولا خَتَمتُ خَتمَةً إلَّا ودَعَوتُ له في ابتدائِها وانتهائِها، ولشِدَّةِ مودَّتِه كان يقول: أَسْأَلُ الله أَن لا يُرِيَنِي لَكَ يَومًا أَكرَهُهُ، وأَن يجعلَ يومي قبلَ يَومِكَ، وعَلَى الجُملةِ فَكَانَ مِن إخوانِ الصَّفَاءِ أَهْلِ الوفاءِ، ليسَ ممن قيلَ فيهم:

وإِنَّ مِنَ الإخوَانِ إخوانَ نِعمَةٍ … وإخوانَ حيَّاكَ الله ومَرحَبَا

وإخوانَ كَيْفَ الحَالُ والأهلُ كُلُّهُم … وذَلِكَ لا يَسوَى نَقِيرًا مُتَرَّبَا

ومَا أشبَه النَّاسَ اليومَ بما قيل:

دَهرُنَا ذا دَهْرُ افتراقِ … لَيسَ ذا دَهرَ التَلاقِي

قلَّ مَنْ يَلقَاكَ إِلَا … بِسَلامٍ واعْتِنَاقِ

فَإِذَا ولَّيتَ عَنْهُ … بِنْتَ مِنهُ بالطَّلاقِ

ومِن أَعظَمِ حَسَنَاتِهِ تَربِيَتُهُ لأولادِ الشَّيخِ الصّالحِ مَحمُودٍ العَجَمِيِّ المذكور في عبد الله البَسكَرِيِّ، وكَانَ قد تَزوَّجَ أختَهُم في حِياةِ أبيهِم، فَلَمَّا تُوُفِّيَت أمُّهم لم يَبقَ لهم من يكفُلُهُم، وكَانُوا صغارًا فكفَلَهُم وضَمَّهُم لعيالِهِ، وَهُم: عبد الرحمنِ وعبد الرَّحيمِ وعبد اللطِيفِ، فأقرَأَهُم القُرآنَ، ثم شَغَلَهُم بِمَذهَبِه، مع أنَّ أباهم كان شافِعِيَّا، وباشرَ إقراءَهُم وتعليمَهُم العلمَ بنفسِهِ.

وأَخبرَنا أَنَّهُ جَمَعَ مَا وَرِثُوهُ مِن أَبَوَيهِم مِن الأثاثِ وباعَهُ، فكَانَ مبلغُهُ ثمانِ مِئَةِ درهمٍ، وكَانَ يُنْفِقُ عليهم مِن بعضِهَا ويتَّجِرُ لَهُم ببعضِهَا، ولم يَزَل يُنَمِّيهَا لَهُم ويُوَفِّرُ عَلَيهم، ويَتَوَرَّعُ في مَالِهِم حَتَّى بَلَغَ نَحوَ عَشَرَةِ آلافِ دِرهَمٍ، وكَانَ إِذَا فَضَلَ مِن غَدَائِهِم وعَشَائِهِم شيءٍ يأمُرُ بِجَمعِهِ وحِفظِهِ