للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَتَّى يجتمعَ مِنهُ كِسَرًا (١) يابسةً، فيجعلُهَا لَهُم غداءً مِثلَ البُقسُماطِ المَثرُودِ، ويجمَعُ فُصِيَّ تمرِهِم الَّذِي يأكلُونَهُ، ثم يبيعُه ويصرِفُ ثَمَنَهُ في مَصَالحِهِم.

وبلغَنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أهَلَّ الهلالُ يَكْتَالُ نفقَتَهُم ويعزِلُهَا، ويبدأُ بِكَيلِ نفقَتِهِ قَبلَهم، فقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخَافُ أَن يتعَلَّقَ في الصَّاعِ شيءٌ مِن حَبِّهِم فَيَختَلِطَ بحَبِّنَا.

فانظرْ إلى وَرَعِه مَا أشدَّه وإلى ديانتِهِ وصبرهِ ومُرُوءتِهِ مَا أحسَنَهَا، وكَانَ رحمهُ الله عفيفَ النّفسِ عَن التَّشَوُّفِ للصَّدَقاتِ الوارِدَةِ للمُجَاوِرِينَ، قليلَ السَّعيِ في الوَظَائِفِ، مُتقَنِّعًا باليسيرِ مِنَ الدُّنيَا، مُظْهِرًا التَّجَمُّلَ في مَلبَسِهِ وحالِهِ وحالِ أولادِهِ وعيالِهِ، مِن أَعْقَلِ النَّاسِ وأكثرِهِم نُصحًا وَأحزَمِهِم رأيًا، مُخَالِطًا للنَّاسِ مُبايِنًا لَهُم، لا يخوضُ مَعَهُم فيما يخشَى عاقِبَتَهُ في الدَّارَينِ، ولا يغتابُ أحدًا بل يُنكِرُ على مَن يغتابُ بِحَضرَتِه أَشَدَّ الإنكارِ، وإن سَمِعَهَا مِن ذي حُرمَةٍ التَمَسَ للمَقُولِ فِيهِ عُذْرًا ومَخْلَصًا، وكَانَ مِن أحسنِ النَّاس خُلُقًا وأكثرِهِم فُكَاهةً في حقٍّ وأحسنِهِم هَدْيًا.

وبالجُملَةِ فكَانَ حَسَنَةَ زمانِهِ، ونادِرَةَ إخوانِهِ، مات سنة ستٍّ وستِّينَ وسَبعِ مِئَةٍ، ولخصَّ شيخُنا في "دُرَرهِ" (٢) من كلامهِ لهُ ترجمةً فقال: نزيلُ دمشقَ ثم المدينةِ، أخذَ عن العلاءِ القونويِّ الحنفيِّ وشغلَ وأفادَ وكان خَيِّرًا ورِعًا، قال ابنُ فرحون: كان حسَنةَ زمانهِ ونادِرةَ أقرانهِ، ماتَ سنةَ ستٍّ. انتهَى، ووصفَه ابنُ سُكَّرٍ: سيِّدُنا الشيخُ الإمامُ العالمُ العاملُ مفتيُ المسلمينَ.


(١) كذا وقع في الأصل، ولعل الصواب: "كسرٌ" بالرفع، وعلى الصواب وقع عند ابن فرحون.
(٢) "الدرر الكامنة" ٤/ ٣١٦.