مَغرِبيَانِ وهُمَا صَالحَانِ لا يتنَاولانِ لأحدٍ شيئًا لغِنَائهِما وكثرة تَصدُّقهِما عَلى المحتَاجِينَ، فانشرحَ صدرُه واستدعَى بهِما، فلمَّا رآهُمَا رأى تلكَ الصِّفةَ، فقَال لهُما: مِن أينَ أنُتَما؟ فقَالا: من المَغربِ، جِئنَا للمجاوَرةِ هُنا، فقَال: اُصدُقائي، فَصمَّما عَلى مَقالتِهما، فسَألَ عن مَنزلِهما، فقيل لهُ: بِرباطٍ قريبٍ من الحُجرَةِ، فقَام من وقتِهِ إليهِ فَرأَى فيهِ مالًا كثيرًا وخَتمَتينِ وكُتُبًا في الرقائقِ ولم يَر فيهِ شيئًا غيرَ ذلك، وأثنَى أهلُ المدينةِ عَليهِما بالخيرِ الكثيرِ، وأنَّهُما صائِمانِ الدَّهرَ مُلازمانِ الصَّلاةَ بالرَّوضةِ والزِّيارَةَ مع زِيارةِ البقيعِ كلَّ بُكرةٍ، وقباءَ كُلَّ سَبتٍ، ولا يُردَّانِ سَائلًا قطُّ، بحيثُ سَدَّا خُلَّةَ أهلِ المدينةِ في هَذا العامِ المُجدِبِ، فقَال: سُبحانَ الله، ولم يُظهِر شيئًا ممَّا رآه، وبقي يطُوفُ في البيتِ بنفسهِ فرفَع حصيرًا فيهِ فرأى سِردابًا محفورًا ينتَهِي إلى صَوبِ الحُجرةِ، فارتاعَ النَّاسُ لذلكَ، وحِينئذٍ قَال لهُما: اُصدُقانِي حَالكُما، وضَربهُما ضربًا مبرِّحًا، فاعترفَا بأنَّهُما نَصرانِيّانِ بعثهُما النَّصارَى في زِيِّ حُجّاجِ المغاربةِ وأمدُّوهُما بالأموالِ الجزيلةِ ليتحيَّلا فيمَا زيَّنَهُ لهُم إبليسُ اللَّعينُ من نقلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الكريمِ، ووُجِد لِكُلِّ منُهما محفَظَةُ جِلدٍ يملآنهَا من التُّرابِ الَّذي يحفُرانِه ويخرُجانِ به إلى البقيعِ بِحُجَّةِ الزِّيارةِ فيُلقِيانهِ بين القُبورِ، وأنَّهما كما حكيَا لمّا قرُبَا منها أرعَدتِ السَّماءُ وأبرقَتِ وحصلَ رَجيفٌ عظيمٌ بحيثُ خُيِّلَ انقِلاعُ تلكَ الجبالِ، فصادفَ قُدومَ السُّلطانِ صَبيحةَ تلكَ اللَّيلةِ وإمسَاكَهما واعترافَهُما، فأمرَ حينئذٍ بضربِ رقَابهِما، وقصَّ الرؤَيا وأكثرَ من البكاءِ وحَمِدِ الله على تأهِيلِه لهذا الأمر، فقُتِلا تحتَ الشُّباكِ الَّذي يَلي الحُجرةَ، وهُو مما يَلي البقيعَ، ثم أمرَ بإحضارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute