للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد قال ابنُ الأثيرِ (١): طالعتُ تواريخَ الملوكَ المتقدِّمين قبلَ الإسلامِ وفيه إلى يومِنا فلم أَرَ بعدَ الخُلَفاءِ الرَّاشدِين وعُمرَ بنِ عبد العزيزِ مَلِكًا أحسنَ سيرةً من المَلِكِ المعادِلِ نورِ الدِّينِ انتهى.

ونحوُ هذه القِصَّةِ ممّا نُقِلَ عن "ذيلِ تاريخِ بغدادَ" (٢) لابنِ النَّجَّارِ مما ساقه بِسَنَدِه أنّ بعضَ الزَّنادِقَةِ أشارَ على الحاكمِ العُبَيدِيِّ صاحبِ مصرَ بِنَقلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وصاحِبَيهِ من محلِّهم إلى مصرَ وزيَّنَ له ذلك قائلًا: إنه متى تَمَّ له ذلك شَدَّ الناسُ رحالهَم من أقطارِ الأرضِ إليها وكانت منقبةً لِسُكّانِها، فاجتهد في ذلك وبنى بِمِصرَ حائزًا أنفَقَ عليه مالًا كثيرًا وبعثَ أبا الفتوح لِنَبشِ المحلِّ الشَّريفِ ونَقلِهم، فلما وصلَ إلى المدينةِ وجلسَ بها حضرَ جماعةُ المدنيِّين وقد عَلِموا ما جاء به وكان معهم قارئٌ يُعرَفُ بالزَّلَبانيِّ فاستفتحَ وقرأ {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} إلى {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فماجَ الناسُ وكادوا يقتُلُونَ أبا الفُتوحِ ومن معه من الجُندِ ولكن مَنَعَهم من الإسراعِ بذلك كونُ البلادِ كانت لهم، فلما رأى أبو الفتوحِ ذلك قال لهم: اللهُ أحَقُّ أن يُخشَى والله لو كان عليَّ من الحاكمِ فواتُ الرَّوضِ ما تعرَّضتُ لهذا، وحصل له من ضيقِ الصَّدرِ ما أزعَجَهُ كيف نهضَ لهذه المُخزِيَةِ وما تمَّ النهارُ حتى أرسلَ الله ريحًا كادت الأرضُ تَزلزَلُ من قُوَّتِها حتى دَحرَجت الإِبَلَ بأقتابِها والخيلَ بِسُروجِها كما تَدَحرَجُ الكُرَةُ على وجهِ الأرضِ وهلك أكثَرُها وخلقٌ من الناسِ فانشرحَ صدرُ أبي الفُتوحِ وذهب رَوعُه من الحاكمِ لقيامِ عُذرِهِ في الامتناعِ عما جاءَ به.


(١) "الكامل" ١٠/ ٥٦، وحكاها عن الذهبي في "السير"٢٠/ ٥٣٤.
(٢) "ذيل تاريخ بغداد" ٢٢٤ - ٢٣١.