للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نحن على كفايةٍ ما نقبَلُ شيئًا، فجَدَّ في طَلَبِهما فجيءَ بهما فلما رآهما قال للوزيرِ: هما إياهما، فسألَهما عن حالهما وما جاء بهما فقالا: للمجاورةِ فقال: اصدُقاني، ولم يزل يُكرّرُ سؤالَهما حتى أفضى إلى مُعاقَبَتِهما فأقرّا أنهما من النّصارى وأنهما وصلا لكي ينقُلا مَن في هذه الحُجرَةِ باتِّفاقٍ من مُلوكِهما، ووجدَهما قد حفرا نَقبًا تحت الأرضِ من تحتِ حائطِ المسجدِ القبليِّ وهما قاصدانِ إلى جِهَةِ الحُجرَةِ ويجعلانِ التُّرابِ في بئرٍ عندهما في البيتِ الذي هما فيه، فضربَ أعناقَهما عند الشُّبّاكِ الذي في شرقيِّ الحُجرَةِ خارِجَ المسجدِ ثم أُحرِقا بالنّارِ آخرَ النّهارِ، وركبَ متوجِّهًا إلى الشّامِ، وتَبِعَهُ المجدُ اللُّغَوِيُّ والزَّينُ المراغيُّ، وعيَّنَ ثانِيهما الوزيرَ بأنّه خالدُ بنُ محمَّدِ بنِ نصرٍ القيسرانيُّ الشّاعِرُ.

قال: وكان موفَّقًا، وعُمدَتُه في تعيينِه ترجمةُ الذهبيِّ لخالدٍ بأنه وزيرُ السُّلطانِ المذكورِ، مع كونه لا يلزَمُ من وصفِهِ بذلك، أن يكونَ هو المُشارَ إليه، سيَّما وقد وُصِفَ بالجمالِ الموصليِّ بل يُشبِهُ أن يكونَ الجمالُ المحكيُّ عنه أوَّلًا هو الجوادُ الأصبهانيُّ، فقد وُصِفَ بأنه وزيرُ بني زنكي فوزر لِزِنكي ثم لِوَلَدِه غازي، وأدرَكَ نورَ الدِّينِ الشَّهيدَ فالله أعلمُ، ومن العجيبِ كونُ هذه الحادِثَةِ العظيمةِ لم تُذكَر في ترجمةِ السُّلطانِ محمودٍ، وهي بلا شكٍّ شاهِدَةٌ لما وصفَهُ به اليافعيُّ (١) عن بعضِ العارفين من الشُّيوخِ أنه كان في الأولياءِ معدودًا من الأربعين، وصلاحُ الدِّين نائبُه من الثلاثِ مئةِ.


(١) "مرآة الجنان" ٣/ ٣٨٧.