للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثَّناءُ عليه بين المَدَنِيِّينَ مُستَفِيضٌ، وربما أقرأَ الفِقهَ والعَرَبِيَّةَ، وكان قُدومُهُ المدينةَ في موسمِ سنةِ اثنَتَينِ وثمانين، وقرأ "العُمدة" وغيرَها على الشَيخِ محمَّدٍ المراغِيِّ، ولازَمَ السَّيِّدَ السَّمهُودِيَّ في فُنونٍ واختُصَّ كُلٌّ منهُما بالآخَرِ، وأقبلَ عليه السَّيِّدُ بِنَفسِهِ وبِمُساعَدَتهِ، وتزوَّجَ بعد مُفارَقَتِنا له في بيتِ ابنِ صالحٍ بِرَغبَةٍ من أبيها فيه، بحيثُ إنه احتاجَ إلى المجيءِ إلى القاهِرَةِ مع الرَّكبِ في سنةِ اثنَتَينِ وتسعينَ، وقرأ عليَّ حينئذٍ من "مُسنَدِ الشَّافِعِيِّ" وغيِرهِ بحثًا وروايةً، وسَمِعَ عليَّ بِحَضَرةِ أميرِ المؤمنين المُتوَكِّلِ على الله مُؤَلَّفِيَ في "مناقب العبَّاسِ"، وسافرَ الصَّعيدَ فحصَّلَ منِ ابنِ عُمَرَ وغيرِه بِمُطالَعَةِ السَّيِّدِ ما تجمَّلَ به في الجُملَةِ.

ورجَعَ فلَقِيَنِي بالحَرَمَينِ أيضًا وأعطيتُهُ نُسخَةً من "المناقِبِ"، والتمستُ منه قراءَتها بِقُبَّةِ العَبَّاسِ فورد عليَّ كتابُهُ أنه فَعَلَ، وظهرت ثمرةُ ذلك بِنُزُولِ الغيثِ الكثيرِ وحُصولِ البَرَكَةِ، وجاء في كتابُه بعد ذلك في أوائلِ سَنَةِ ستٍّ وتسعينَ وكُلُّها مُؤذِنَةٌ بمزيدِ الحُبِّ وحُسنِ الاعتقادِ والأوصافِ الجميلةِ مما هو أهلٌ له، ولما كنتُ بالمدينةِ في سنةِ ثمانٍ وتسعين لازَمَنِي وسَمِعَ عليَّ أشياءَ من تصانيفِي وغيرَهُ، ورأيتُهُ كثيرَ المُلازَمَةِ في دَرسِ قاضي المالكيَّةِ خيرِ الدينِ كما كان مع أبيه القاضي شمسِ الدِّينِ والمجالسُ مجمَّلَةٌ بهِ، والمؤانسُ له مُطمَئِنٌّ بِسَبِبِهِ، وقد تعدَّدت أولادُه، وتزايَدَت بالعيالِ أنكادُه، لكنَّه في الجُملَةِ حامدٌ شاكرٌ قانعٌ، للخيرِ جامعٌ، غيرُ ذاكرٍ حالَه إلَّا لمن وَثِقَ منه بالمحبَّةِ، بل هو صابِرٌ في حالَتَيِ السَّرَّاءِ والكُربَةِ.