وقد وصفتُه في المجاوَرَةِ الأولى فِى إجازَته بالشَّيخِ العلَّامَةِ الفهَّامَةِ، المُدَرِّسِ المُرَبِّي المُرشِدِ قُدوةِ الطَّالِبينَ، وقُرَّةِ أعيُنِ العابِدِين، مَن أوقاتُه عامِرَةٌ بالقُرُباتِ، وجِهاتُهُ مُعَطَّرَةٌ بالطَّيِّباتِ، ما بين اشتِغالٍ وأَشغالٍ، وأورادٍ وأمدادٍ، وذِكرٍ وفِكرٍ، وغير ذلك مما هو بَيِّن للمُراقِبِ النَّاسِكِ، وإن كان هو مُخفِيهِ، وكاتِمُهُ غيرُ مُبدِيهِ، زادَهُ اللهُ فَضلًا وإفضالًا، وقَبولًا وإِقبالًا، ونَفَعَهُ ونفعَ به، ورَفَعَهُ في الدَّارَينِ لأعلى رُتبَةٍ.
وقُلتُ عن قراءَتِه: إنَّها قراءَةٌ بَيِّنَةٌ، حَسَنَةٌ مُتقَنَةٌ، فصيحَةٌ صحيحةٌ، يلتَذُّ بها السَّامِعُ، وَيوَدُّ لو كانت أعضاؤُهُ كُلُّها مَسامِعَ، محقِّقًا لما لعلَّهُ يخفَى عليه، مُتوقِّفًا فيما لم يتحرَّر إيضاحُهُ لدَيهِ، مُبدِيًا من فوائِدِه المُنَقَّحَةِ كُلَّ معنى جميلٍ، آتيًا من زوائِدِه المُتَّضِحَةِ فوق التَّاميلِ، خصوصًا "الألفيَّةَ" فقد قرأها قراءَةَ تَدَبُّرٍ، وتَفَهُّمٍ وتَصَوُّرٍ، وتَعَلُّمٍ واستيضاحٍ، واستفتاحٍ وإتقانٍ وإيقانٍ، بحيثُ دخلَ في زواياها، ووصلَ لخفاياها، وراقَ له ما فيها من المعاني، وذاقَ تركيبها البديعَ الألفاظِ والمباني، ووقفَ حتى تعرَّفَ، وما غشَّ نفسه فيما لم يكن قبلُ فيه تصرَّفَ، حتى انشرحَ الخاطِرُ بالإِذنِ له في إفادَتِها، واتَّضَحَ للخاطِرِ إجادَتُهُ لإعادَتِها، ولذا أَذِنتُ له في ذلك، وأن يُرشِدَ إلى فهمها القاطِنَ والسَّالِكَ.
بل لم أقتَصِر على هذا المقدارِ، ولا رأيتُهُ بِمُفتَقِرٍ للتَّضييقِ عليه بالتَّقييدِ في هذا المِضمارٍ، علمًا مِنِّي بِدِيانَتَهِ وتحرِّيهِ ومزيدِ أمانَتِه فيما يُبدِيه، واللهُ المسؤولُ أن يُبَلِّغَنا من كُلِّ خَيرٍ غايةَ المأمولِ، وأن يَنفَعَهُ وإيّاي بِزِيارَةِ الرَّسُولِ، ويُرقِّيَنا في المعقولِ والمنقولِ.