وكان قدمَ دمشقَ بشيرًا من عثمانَ إلى معاويةَ أيّامَ حصرِ عثمانَ، ووفد على معاويةَ في خِلافَتَهِ فلما قضى معاويةُ حاجَتَه خلا به فقال له: يا مِسوَرُ؟ ما فعل طعنُكَ على الأئِمَّةِ؟ فقال: دعنا من هذا وأحسِن فيما قَدِمنا له، قال معاويةُ: والله لَتُكلِّمُني بذاتِ نفسِكَ بالذي تَعيبُ عليَّ، قال المِسوَرُ: فلم أترك شيئًا أعيبُهُ عليه إلَّا بيَّنتُهُ له، فقال: لا أبرَأُ من الذَّنبِ، فهل تَعُدُّ لنا يا مِسوَرُ مِمّا نَلي من الإصلاحِ في أمرِ العامَّةِ، فإن الحَسَنَةَ بِعَشرِ أمثالهِا، أم تَعُدُّ الذُّنوبَ وتترُكُ الإحسانَ؟ فقلتُ: لا والله لا نذكُرُ إلَّا ما نرى من الذُّنوبِ. فقالَ: فإنا نعتَرِفُ لله بِكُلِّ ذنبٍ أذنبناهُ، فهل لك يا مِسوَرُ ذنوبٌ في خاصَّتِكَ تخشى أن تُهلَكَكَ إن لم يغفرِ اللهُ لك؟ قال: نعم، قال: فما يجعَلُكَ اللهُ برجاءِ المغفِرَةِ أحَقَّ مِنِّي؟ فوالله ما ألي من الإصلاحِ أكثَرُ ممَّا تلي، ولكن والله لا أُخَيَّرُ بين أمرَينِ بينَ الله وغيرِه إلَّا اخترَتُ اللهَ على سواه، وإنِّي لعلى دِينٍ يُقبَلُ فيه العَمَلُ ويُجزَى فيه بالحَسَناتِ ويُجزَى فيه بالذُّنوبِ إلا أن يَعفُوَ اللهُ عنها، وإنِّي أحتَسِبُ كلَّ حَسَنَةٍ عَمِلتُها بأضعافِها من الأجرِ، وأَلِي أمورًا عظامًا من إقامةِ الصلاةِ، والجهادِ، والحكمِ على ما أنزلَ اللهُ. قال: فعرفتُ أنه قد خَصَمَنِي لمَّا ذكر ذلك. قال عروةُ: فلم أسمع المِسورَ ذكر معاويةَ إلَّا صلَّى عليه.
وفي ترجمتِه من "تاريخ دمشق" لابنِ عساكرَ أخبارٌ جَمَّةٌ (١)، كتبتُ منها في "تاريخي الكبيرِ" جُملةً.