للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالَ الشَّعبيُّ: إنَّه قدمَها عامَ الجماعةِ، وتلقَّته رجالُ قريشٍ قائلين له: الحمدُ لله الذي أعزَّ نصرَكَ، وأعلى أمرَكَ، فما ردَّ عليهم جوابًا حتَّى دخلَ المدينةَ، فعلا المنبرَ، وحمدَ اللهَ، وقال: أمَّا بعدُ؛ فإنِّي والله ما وُلِّيتُ أمرَكم حينَ وُلِّيتُه إلَّا وأنا أعلمُ أنَّكم لا تُسرُّون بولايتي، ولا تحبُّونها، وإنِّي عالمٌ بما في نفوسِكم، ولكن خالستُكم بسيفي هذا مخالسةً، ولقد رُمتُ نفسي على عملِ ابن أبي قُحافةَ، فلم أجدها تقومُ بذلك، وأردتُها على عملِ عمرَ، فكانت عنه أشدَّ نفورًا، وحاولتُها على مثلِ سُنَيَّاتِ عثمان، فأبت عليَّ، وأين مثلُ هؤلاء؟ هيهاتَ أنْ يدركَ فضلَهم أحدٌ مِن بعدِهم، غيرَ أنِّي سلكتُ بها طريقًا لي فيه منفعةٌ، ولكم فيه مثلُ ذلك، ولكلٍّ فيه مواكلةٌ حسنةٌ، ومشاربةٌ جميلةٌ ما استقامت السِّيرةُ، وحسُنت الطَّاعةُ، فإنْ لم تجدوني خيرَكم فأنا خيرٌ لكم، والله لا أحملُ السَّيفَ على مَنْ لا سيفَ معه، ومهما تقدَّم ممَّا علمتموه، فقد جعلتُه دَبْرَ أُذني (١)، وإنْ لم تجدوني أقومُ بحقِّكم كلِّه، فارضوا مني ببعضه؛ فإنَّها ليست بقائبةِ قُوبِها (٢). -يعني بالقائبة البيضةَ، وبالقُوب الفَرْخَ-.

وإنَّ السَّيلَ إذا جاء تترى، وإنْ قلَّ أغثى، وإيَّاكم والفتنة، فلا تَهمُّوا بها، فإنَّها تفسدُ المعيشة، وتكدِّرُ النِّعمة، وتورثُ الاستئصال، وأستغفرُ الله لي ولكم، ثمَّ نزل.


(١) أي: خلفها. "القاموس": دبر.
(٢) هذا مَثَلٌ، يقالُ: تخلَّصت قائبةٌ من قُوبٍ، يضرب مثلًا للرجل إذا انفصل عن صاحبه. "مجمع الأمثال" ١/ ٤٧٥، و"لسان العرب": قوب.