أولادِ مُقبلٍ وإخوتِه، فقدَّموا عليهم الأميرَ وُدَيَّ بنَ جمَّازٍ، وقاموا في طلبِ الثَّأرِ، واستحكمَ بينهم الفسادُ، وكثُرتْ بينهم الحروبُ، وعظُمَتْ على منصورٍ النَّفقاتُ للجيوشِ، فلمَّا كانَ في سنةِ ستَّ عشرةَ وسبعِ مئةٍ حصلَ له ضيقٌ وشِدَّةٌ، فطلبَ مِن الخُدَّامِ المخبزين ألفَ درهمٍ مِن كلِّ واحدٍ، فامتنعوا، وقالوا: لا نفعلها تصيرُ سُنَّةً أبدًا، فأنزلَ منهم جماعةً في الجُبِّ، فجاءَ بعضُ المجاورين، وقالوا: نحنُ نتقدَّمُهم في النُّزولِ، ووقعَ في ذلك كلامٌ كثيرٌ، ثمَّ فرَّجَ اللهُ عنهم.
ولمَّا بلغَ ذلك السُّلطانَ النَّاصرَ، أمرَ أميرَ الحاجِّ المصريِّ بإمساكِ منصورٍ، فأمسكَه هو وولدَه كُبيشًا، وسارَ بهما مُعَتقلينِ إلى مصر، فرسمَ عليهم بدارِ الضِّيافةِ نحوَ شهرٍ، ثمَّ استدعى بهما السُّلطان، وتهدَّدهما على ما فعلَ منصورٌ، وشرطَ عليه شروطًا، منها:
- أنَّه لا يؤذي المجاورين والخُدَّام.
- وأنَّ ابنَه يحملُ عيالَه إلى مصرَ، فيقيمُ بها عنده.
ثمَّ خلعَ عليهما، وخلَّى سبيلَهما، واتَّفقَ في أوَّلِ يومٍ مِن المحرَّمِ بعدَ إمساكِ منصورٍ ورحيلِ الحاج من المدينة أنَّ الأميرَ وُدَيًّا وأولادَ مقبلٍ أغاروا على المدينة، فخرجَ إليهم جمَّازُ بنُ منصورٍ، فقاتلهم، فقُتل مِن أهلِ المدينةِ نحوُ سبعَةٍ، ورجعَ جمَّازٌ إلى المدينةِ، ثمَّ بعدَ ذلك بأيَّامٍ، أغاروا ثانيًا فملكوها، وخرجَ جمَّازٌ منها، ووصلَ الخبرُ إلى السُّلطانِ، ومنصورٌ عندَه، فسيَّرَ معه عسكرًا عِدَّتُه تسعون فارسًا، تُرْكًا وعَرَبًا، فوصلوا إلى المدينةِ في ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ سبعَ عشرةَ، فامتنعَ أولادُ مُقبلٍ مِن الخروجِ