للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخُلقِ المنافح للمِسك الفَتيق (١)، فتارةً قامَ برفعِ ما سقطَ مِن سقفِ الحرَمِ، وتارةً وقفَ على إجراءِ الماء مِن مِنى إلى بِركةِ السَّلم، وآونةً تصدَّى لإصلاحِ ما دثرَ مِن آبارِ عرفات، وتجديدِ ما تشعَّثَ في الحرمينِ من معالمِ تلكَ الأُرْفات (٢)، فأوثقَ له بطريقِ الخيرِ اعتلاقًا وارتباطًا، وبنى بمكَّةَ شرَّفَها الله مِن خالصِ مالِه رباطًا، فصادفَت أعمالُه القَبول، وبلَّغه الله بحُسنِ نِيَّتِه غايةَ المأمول، وساقتهُ يدُ العنايةِ إلى خدمةِ الرَّسول، فانتقلَ إلى الحرمِ المدَنيِّ مُجاورًا، وأقبلَ على سلوكِ النَّهجِ السَّنِيِّ باطنًا وظاهرًا، فاتَّفقتْ في أثناءِ جوارِه وفاةُ ياقوت، وأجمعتِ الهممُ على ولايةِ شخصٍ محبوبٍ إلى القلوبِ غيرَ ممقوت، فصادفَ مُقبلٌ من القَبول إقبالًا، وكَتبَ له قلمُ التَّقديرِ من القَبولِ مِثالًا، فأتَتْه المشيخةُ مُنقادةً، لأنَّه جعلَ على الله اعتمادَه، وعلى عنايتِه تُكلانَه واستنادَه، فباشرَها بسيرةٍ حميدةٍ، وسريرةٍ سعيدةٍ، وبصيرةٍ سديدةٍ، وسجيةٍ عن العُسر وشكاسةِ الأخلاقِ بعيدةٍ، بِلُطفٍ عندَ الحقِّ ألينَ من الوِصال، وعُنفٍ عندَ الباطلِ أخشنَ مِن النِّصال، والمأمولُ من الله الكريمِ إعانتُه على تمهيدِ الأمور، وتسديدِ مصالحِ الجمهور، وتجديدِ ما دثرَ مِن معالمِ الوقوف، وتسديدِ القولِ في صَرْفِ ما تعيَّنَ للفقراءِ مْن مصروف، وتأييدِ أهلِ العلمِ فيما يُشيرونَ إليه مِن نهيِ المُنكرِ وأمرِ المعروفِ، انتهى.


(١) قال ابنُ منظور: فتقُ المسكِ بغيره: استخراجُ رائحته بشيءٍ تدخله عليه. "لسان العرب": فتق.
(٢) الأُرْفات: جمع الأُرفة، وهي الحدُّ بين الأرضين، وفصل ما بين الضياع والدور. "تاج العروس": أرف.