للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبُنيِّاتِ طُرقِهم مَيلًا جميلًا، فأصبحَ بينَ الأشرافِ بازًا أشهبًا (١)، وعلى مناكبِ المناقبِ، ومراتبِ المناصبِ طِرازًا ذهَبًا، واهتزَّتْ أرجاءُ المدينةِ الشَّريفةِ بظهورِ السُّنَّةِ الغَرَّاءِ فرحًا وطرَبًا، وهربَ مِن عدلِه الحائتُ (٢) حُوتَ بدعة المُحَايت (٣)، واتَّخذَ سبيلَه في البحرِ سربًا، ظَفِرت السُّنَّةُ مِن البِدعةِ بالانتصار، وحَسُنَ الزَّمانُ به إلى أنْ صارَ كما في عصرِ الأنصار، فالسُّلطانُ شافعيٌّ، والقاضي شافعيٌّ، وشيخُ خُدَّامِ الحَرمِ شافعيٌّ، وهذا ممَّا لم يُعهدْ في عصرٍ مِن الأعصار، وهو سلَّمَه الله كانَ قبلَ ذلك لمَّا استُشهدَ والدُه سئلَ أنْ يقبلَ الولايةَ فامتنعَ وأبى، واتَّخذَ لنفسِه مِن الفَراغِ والانعزالِ أحسنَ خِبا (٤)، وقالَ: لا أتعرَّضُ للولايةِ وحملِها، وإنَّما أجلسُ في القلعةِ لحفظِ المدينةِ وأهلِها، وأقومُ في هذه الأيام لحمايةِ الحاج، وأمَّا الولايةُ فانظروا لها غيري؛ فإنِّي لستُ إليها بمُحتاج، فَوُلِّيَ عمُّه عطيَّةُ، كما ذكرناه في ترجمتِه (٢٧٥٣)، واستقرَّ بالأمرِ إلى أنْ ساقَهُ اللهُ إلى هِبَتِه (٥) مِن عطيتِه، فكانَ ولايةً كاسمِه، هبةً مِن الله للمسلمين، وهيبةً في قلوبِ المخالفين، وقد أقرَّ اللهُ عينَه بِبَنين غُرٍّ أنجاب، كأنَّهم أُسودٌ في أثواب، ليوثٌ في رِحاب، غيوث للبُعداء والأصحاب.


(١) البازي: الصقر، والأشهب: المخلوط بياضه بسواد. "القاموس": بزى، شهب.
(٢) الحائتُ: اسم فاعلٍ مِن: حاتَ. يقال: حاتَ الطائرُ على الشيء، يحوتُ، أي: حامَ حوله. "لسان العرب": حوت.
(٣) المحايت: المراوغ. يقال: حاوتَكَ فلانٌ: إذا رواغك. "لسان العرب": حوت.
والمعنى: هربَ مِن عدله الحائمُ حولَ البِدعةِ، والمُرواغُ لأجلها.
(٤) في "المغانم": جنى، وما ها هنا أصوب، وأوفق للسجعة.
(٥) كتب فوقها في الأصل: "كذا".