للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مائِها المَعِينِ، فرُسمَ بإكرامِه ورعايتِه، وتقريرِه على أمارتِهِ وولايتِهِ، فتجهَّزَ للسَّفرِ مُعجِّلًا، وعادَ إلى المدينةِ مُكرَّمًا مُبجَّلًا، واستمرَّ حاكمًا إلى سنةِ ثلاثٍ وأربعين، فهجمَ طفيلٌ على المدينةِ، ودخلَها، وقبضَ على نُوَّابِ وُدَيٍّ، وتعرَّقَ أعظُمَهم (١) وخَلْخَلَها، ورسمَ بحبسِ جُخيدب وقلاون، وبعدَ قليلٍ أُصيبا بداءٍ يقفُ دونَها المُدَاوون، ومكثَ الأميرُ وُدَيٌّ في عَرَبِه وأقاربِه، إلى أنْ حملَهُ رُبَّانُ المنون إلى ساحلِ البرزخِ (٢) في قاربِه.

قالَ: وقد تقدَّمَ في طفيلٍ (١٧٣٨) شيءٌ مِن ترجمتِه، فلينظُرْ مَنْ أرادَ النَّظرَ في كمالِ خبرِهِ وتتمتِهِ. وذكرَهُ شيخُنا في "دُرَرِهِ" (٣)، فقالَ: ذكرَهُ الشِّهابُ ابنُ فضلِ الله، وأنشدَ له شِعرًا مقبولًا، كتبَ به إليه وهو في الحبسِ، سنةَ تسعٍ وعشرين أوَّله:

يا ابنَ الكرامِ الطَّيبينَ بني عُمَرْ … ومَنْ بهم في الجَدْبِ يُستنزَلُ المطرْ

ومَنْ لهم في فضلِهم ولجدِّهم … ضجيعِ النَّبيِّ المصطفى حَسَنُ السِّيَرْ

وقالَ في وصفِه: سيِّدُ الوادي، وسندُ النَّادي، مُقيمُ السُّنَّةِ ومُعْليها، ورافضُ الرَّافضةِ ومُقصيها، كانَ السُّلطانُ قبضَ عليه، ثمَّ أطلقَه بعدَ مدَّةٍ، وقُيِّضَ له وزيرُ صِدقٍ، وهو محمَّدُ بنُ عبد الله بنِ مطرفٍ العُمريُّ، فلم يزلْ يحسِّنُ له المساعي، ويحسمُ لأعدائه الدَّواعي، حتَّى انحلَّت عُقدَة شِدَّته، وتجلَّت غَمامةُ سعده.


(١) تعرَّق العظمَ: أكل ما عليه من اللحم، وفيه كناية عن الشدة التي أصابته.
(٢) في المخطوطة: "البروج"، وهو تحريف.
(٣) "الدرر الكامنة" ٤/ ٤٠٦.