للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلَّا عَلَى مثلِ هَذَا؟ وقَالَ لبعضِ الشيعةِ وقد رآهُ يتوضَّأُ ويمسَحُ عَلَى رجليهِ: لِمَ لا تَغسِلُهُما؟ فقَالَ: لأنَّهما طاهِرَتانِ فَقَالَ لَهُ: فإذًا مَا غسلتَ وجهَكَ إلا لكونِهِ نَجِسًا، وامتُحِنَ بالخُدَّامِ فآذَوهُ وضَرَبُوه ضَربًا شديدًا، واتَّهَمُوه بأنَّهُ تكلَّمَ فيهم عندَ الأميرِ منصورٍ، فصَبَرَ واحتملَ ولم يُظهِر مِنَ الجَزَعِ ما يُوجِبُ التَّعَصُّبَ لهُ، حتى ماتَ، وكانَ كُلَّما سَمِعَ بِحِكايةٍ عن الصَّالحينَ أو غيرِهم ممَّا دُوِّنَ في الكُتُبِ يقولُ: هذهِ بِعَينِها أو نحوِها مما اتَّفَقَ لي، وإن سَمِعَ بِغرِيبَةٍ قالَ: أنا رأيتُها، لِكَثرَةِ تَغَرُّبِهِ في البلادِ وسِيَاحَاتِهِ، ومَن اجتَمَعَ بِهم مِن سائِرِ الطَّوائِفِ.

وكانَ الشَّيخُ يحيى القُسَنطِينيُّ أخصَّ النَّاسِ بهِ، وأكثرَهُم لهُ مُلازَمَةً على طريقِ الخِدمَةِ أوّلًا، ثُمَّ على طريقِ الصُّحبَةِ آخِرًا، فتخلَّقَ بأخلاقِهِ واكتَسَبَ من آدابِهِ، لكونه مُلازِمًا له في شُبُوبيتِهِ سَفَرًا وحَضَرًا، فَتَعَرَّفَ بأصحابِ الشَّيخِ ومَعَارِفِه، وصَارُوا لهُ إخوانًا من بعدِهِ، مات التُّونسيُّ سنةَ ثلاثٍ وأربعينَ وسبعِ مِئَةٍ، بالمدينة، ومولدُهُ سنةَ إحدى وأربعين وستِّ مِئَةٍ. قَالَهُ ابنُ فرحونٍ (١). وذكرَهُ الفاسيُّ (٢) في مكةَ باختصارٍ جدًّا، وقَالَ المجدُ (٣): من الصَّالحينَ الأخيارِ، قد تلقى جماعةً من السَّاداتِ الكبارِ، كالشَّيخِ أبي العبّاسِ المُرسيِّ ومَنْ في طبقتِهِ من المشايخِ الشَّاذليةِ. واجتمَعَ عندَ الشَّيخِ أبي العبَّاسِ في إسكندريَّةَ بالشَّيخِ نجمٍ الأصبهانيِّ،


(١) "نصيحة المشاور" ص: ١٤١.
(٢) "العقد الثمين" ٧/ ٤٥٩.
(٣) "المغانم المطابة" ٣/ ١٣١٦.