للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فوجدتُه من رجالِ الآخرة، ومن بيتِ العلمِ والعملِ والمُكاشفة، فقال لي: أريدُ المدينةَ في هذه السَّنةِ، وقد عزمتُ على طريقِ الماشي فاعمل على الصُّحبةِ، فقلتُ له: يا سيِّدي أنا لي عن أهلي مدَّةً طويلةً أكسبَتني قوَّةَ شوقٍ ووَجْدٍ، وإن سافرتَ معي في طريقِ الماشي تعبتَ معي؛ لأنِّي أجِدُّ في المشي، وأنت لا تقدرُ على ذلك، فعذرَني، وتأخَّر، فلمَّا جاءَ الموسمُ جاءني، ودخلَ منزلي، فاستبشرتُ ببركةِ دخولِه، وحصلَ به أنسٌ كبيرٌ، ووعدَني بخيرٍ كثيرٍ، ثم تكرَّرَ إلى مكَّةَ بعدَ ذلكَ سنين، إلى عامِ ثلاثٍ وعشرين، ثمَّ بلغني أنَّه لمَّا جاءَ مع الرَّجَبية تزوَّجَ ابنةَ القاضي نجمِ الدِّينِ الطَّبريِّ قاضي مكَّةَ، وإمامِ أئمتِها وكبيرِها؛ أبي اليُمنِ محمَّدِ بنِ محمَّدٍ الطَّبريِّ الشَّافعيِّ، وكان غرضُهم من تزويجِه أن تحلَّ للشَّيخِ خليلٍ المالكيِّ، إمامِ المقامِ المالكيِّ، لأنَّه كان حنثَ فيها، ولم يُطلَعْ على ذلك، ولا ذَكروه له لمِا كان عليه من الخيرِ والورعِ والدِّين، فلمَّا حصلَ معهم قاموا بحقِّه، وخدموه، وسعوا في رضاه، من غيرِ أنْ يُشعروه أنَّ لهم غرضاً غيرَ بَركتِه وخدمتِه، فلمَّا رأى ذلك منهم اغتبطَ بهم، وأنسَ ببنتِهم، ووجدَ منهم الشَّفقةَ العظيمة، فأقامَ بمكَّةَ، وتركَ الرُّجوعَ إلى بلدِه، فرُزِقَ منها أئمةَ مكَّةَ اليوم، وقضاتَها وخطباءَها وعلماءَها: الكمالَ أبا الفضلِ الشَّافعيَّ (١)، والنُّورَ المالكيَّ (٢)، فتقدَّما على أقرانِهما، ورَأسَا، فَوَلِيَ الكمالُ قضاءَ مكةَ وخطابةِ الحرمِ ونظرَه، والنُّورُ مقامَ الفقيهِ خليلٍ، بعدَ ابنِ عمِّه عمرَ من إمامةِ المقامِ وإمامةِ الحجِّ.


(١) محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ العزيزِ، كمالُ الدِّينِ، أبو الفضل، العقيليُّ، النويريُّ، قاضي مكة وخطيبها، توفي بمكة سنة ٧٨٦. "العقد الثمين" ١/ ٣٠٠.
(٢) عليُّ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ العزيزِ، نورُ الدِّين، أبو الحسنِ العقيليُّ، النُّويريُّ، المالكيُّ، إمام المالكية بالحرم الشريف، توفي بمكة سنة ٧٩٨ هـ. "العقد الثمين" ٦/ ١٣٢.