للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكان مِن حالِ أبيهما -صاحبِ الترجمة- أنَّه صحبَ زوجتَه إلى أنْ تُوفي والدُها النَّجمُ، سنةَ ثلاثين، عن اثنتين وسبعين سنة، وهو معَهم على ما يحبُّ من العِزَّة والإكرام، وتركِ المساءلةِ عمَّا يجبُ عليه من النَّفقةِ والإدام، والكِسوةِ وما جرتَ به العادةُ معَ الأزواج، وبعدَ موتَ والدِها لم يرَ منهم ذلك الوجهَ الذي كان يعهدُه، فجاءَ مع زوجتِه إلى المدينةَ زائرًا، وأرادَ الإقامةَ بها ليُذلّهَا ويُهذِّبَها بالغُربةِ، والبُعدِ عن أهلها، فامتنعَ أهلُها، وشدَّدوا في رجوعِها معهم، فقال على طريقِ التَّغليظِ عليهم، والتَّشديدِ في إقامةِ العذر-: أنا قد حلفتُ بالطَّلاقِ الثَّلاثِ أنْ لا يكونَ لها معكم سفر في هذا الوقتِ، ولم تكنْ له نيةٌ، وإنَّما أرادَ التَّهويلَ عليهم، فعزمُوا عليه، والتزموا له الرُّجوعَ إلى ما كانَ عليه، فسافرَ معهم، وقيَّدُوا عليه يمينَه، وأخذوه بظاهرِ لفظه، فطلَّقوها منه، فاشتدَّ عليه الأمرُ، وعظُمَ عليه ما وقعَ فيه، ولم يجدْ مَن يساعدُه على ما نواه، إذ أسرَّته النِّيةُ، فلمَّا رأى أنَّها بليةٌ لا يمكنُ زوالهُا، رجعَ إلى المدينة، وأقامَ بها، فكانَ يُصلي إلى جنبي الصَّلواتِ، فأرى منه منَ التَّوجُّعِ والالتهابِ والشَّوق ما لم أرهُ من أحدٍ، فكنتُ أعذرُه في الباطن، وأُهوِّنُ عليه الأمرَ في الظَّاهر، فيقول: وَيْلٌ للشَّجيْ مِنَ الخَلِّيّ (١)، ثمَّ إنَّه لم يجدْ ما يَغيظُهم به إلا أخذَ ولديه، فأخذَهم بالشَّرع، فأقاما معه -وهما صغيران- فتعبَ وتعبَا، فسهَّلَ اللهُ مَن اختلسَهما منه، وحملَهما إلى مكَّةَ لأمِّهما وخالهِما القاضي شهابِ الدِّينِ، فربُّوهما أحسنَ تربية، فجاءَ منهما ما تقدَّم، ولمَّا علمَ الفقيهُ خليلٌ أنَّ في فراقِها له شبهةً تورَّعَ من زواجِهَا وتَرَكَهَا، فلم تزلْ كذلك حتى ماتَ صاحبُ الترجمة بالمدينةِ، فحينئذٍ تزوَّجِها، وماتت عندَه، رحمِهم الله.


(١) هذا من أمثال العرب. انظر: "الصحاح": شجا.