للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانَ من بيتِ الكراماتِ والمكاشفاتِ (١)، لهم حكايات مُغرِبات، ومقاماتٌ مشيَّدات، جلستُ إليه يومًا بعد أنْ صلَّيتُ ركعتين، وكان قد أظلَّنا مجيءُ الحاجِّ، فكانتْ صلاتي كلُّها وسوسةً بما يجيءُ به الحاجُّ، وما يكونُ في وظائفي وما يجيءُ منها، وغيرِ ذلك، فقالَ عقبَ فراغي: يا فقيهُ، ما أقلَّ أدبَ العبدِ مع ربِّه، اللهُ تعالى خلَقَهُ وأوجدَهُ، وتكفَّلَ برزقِه، وجعلَ الرِّزقَ يجري مع الحاجةِ لا يتعدَّاهَا، ولم يُردْ منه إلا الإخلاصَ والتَّوكلَ والعِبادةَ، وقد جرَّبَ العبدُ وعدَه تعالى، فوجدَهُ صحيحًا لا يختلُّ معه، ورِزْقُهُ يأتيه كلَّ حينٍ، وكلَّ يومٍ وكلَّ ساعة، حسبما يقدِّرُه اللهُ تعالى، ثمَّ إنَّه سبحانَهُ أمرَ بصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ، ووقَّتَ لكلٍ من ذلكَ وقتًا، وأمرَهُ [أن] لا يتعدَّاه بتقديمٍ ولا تأخير، ففعلَ العبدُ ذلك، وقدَّرَ له رِزقاً، ووَقَّتَهُ عندَه بوقتٍ معلوم، [ثمَّ] (٢) إنَّ العبدَ يُسيءُ إلى ربِّه بأنْ يتَّهِمَه فيما وعدَهُ، فيقول: يا ترى يجيئني شيءٌ في هذه السَّنةِ، أم لا؟ وإنْ جاءَ، فهل (٣) يجيءُ كاملًا؟ أو ينقطعُ بعضُه؟ ومِن هذهِ الأشياءِ التي هي إلى الشِّركِ أقربُ، أليس هذا من قلَّةِ الأدب؟ فعلمتُ أنَّه إنَّما أرادني بهذا الكلامَ، فاستغفرتُ الله، ورجعتُ، فنلتُ بذلك خيرًا كثيرًا، إلى غيرِ هذا من الكراماتِ التي يطولُ ذِكرُها.

ولمَّا كانَ في سنةِ سبعٍ وثلاثين، قدمتْ قافلةُ مكَّةَ، ومعهم القاضي شهابُ الدِّينِ ومُطلَّقتُه، -أخته- وولداه، فطلعَ بها الشِّهابُ -صاحبُ الترجمة- إلى الأميرِ وُدَيِّ بنِ


(١) وهذا من مبالغات الصوفية وشطحاتهم، مع أننا لا ننكر أصل الكرامات.
(٢) سقطتا من الأصل، والمثبت من "نصيحة المشاور" ص:١٢٣.
(٣) تحرفت في الأصل إلى: فهي.