فَيُفْرِغُونَ ما بَقِيَ معهم ويَمُدُّونَهُ للفُقَراءِ الذين يَتَّبِعُونهم، حَتَّى إنَّ الطَّعامَ ليبْقَى ليسَ لهُ آكِلٌ، ويرجِعُونَ إلى المدينَةِ على خيرِ رجعةٍ، بِقُلوبٍ صا فيةٍ، وأُخُوَّةٍ مُتَزايِدَةٍ، وشَوقٍ إلى مثلِ ذلكَ الاجتماعِ.
وكانَ مَعَهُم جماعة من الكِبارِ كعبدِ الواحدِ الجزُولي، ومحمَّدٍ اليمنيِّ، ووالدِي، وأحمدَ القُرشي والد محمدٍ الصحيناتيِّ في الصيحانين (١) بأجمعِهِم. وكان للشيخِ أبي الحسنِ أحبابٌ أفرادٌ، كالعُمَرَين ابنِ عياذٍ، والمدّاس، وعبدِ الله الخرَّازِ.
وذكره ابنُ صالحٍ فقال: كانَ من العارفين بالله، أهل الكشفِ، مقدمًا على رفيقِهِ، وكان رفيقُهُ وهو أبو عبدِ الله الخرَّازُ يحكي أنَّهُما اجتمَعَا في مسجدِ قُباء مَعَ جماعةٍ يذكرون هُناك ويتعبدون، فأخذت أبَا عبدِ الله سِنَةٌ في حلقةِ الذِّكرِ، فرأى كأنَّ امرأةً معها كوزٌ فيه ماءٌ وهي تعرضُهُ عليه فلم يقبلْهُ منها، فلمَّا استيقظَ قالَ لهُ صاحبُ التَّرجمةِ على صفةِ الكشفِ: لم لا شربتَ من الكوزِ الذي عرضته عليكَ المرأةُ. وكانا متعاونين على البِرِّ والتقوى، حريصين على جبر الأيتامِ والضعفاءِ، على هيئةٍ حسنةٍ معتدلي القامةِ، وكمالِ الخلقِ من الشعور والبهاء، وعُمِّرا، ودُفنَا بالبقيعِ، وماتَ أبو الحسن أولهما. وكان أبو عبدِ الله ابنُ فَرحون يقصدُهما في مسكنِهِمَا، وهو محلُّ خرازَتِهِما للزِّيَارةِ والتأنسِ.