للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحسابَ، وكان يؤثرني ويدعو لي، ومالت نَفسُهُ إلى التَّزَوُّجِ، وأحبَّ أن يكونَ على السُّنَّةِ فخطبَ لَه أصحابُهُ امرأةً حسناءَ وسيمةً، فأقامَ ليلتَهُ ثُم خرجَ ولم يَمَسَّهَا، ودَفَعَ لهَا صدَاقَهَا بكمالِهِ، وطلَّقَهَا، ثم لم يتزوَّجْ حتَّى ماتَ، أقامَ بالمدينةِ مُدةً طويلةً، ثُم انتقلَ لمكةَ، فأقامَ بها مثلَهَا على عبادةٍ وكثرةِ طوافٍ، بحيثُ لا يكادُ يُوجدُ إلَّا فيه. قالَ لي أبو عبدِ الله الوادي آشي: إنَّه سَألَه فقالَ له: يا سيدي هل وقفتَ في مُدَّةِ إقامَتِكَ بمكّةَ على مُغَرِبَةٍ (١) أو كرامةٍ أرويها عنكَ لمَنْ بعدك؟ فقال لي: وما تحت ذلكَ من طَائِلٍ (٢)؟ فألححتُ عليه، فقال لي: كنتُ ليلةً أطوفُ بالبيتِ وحدي فيما ظهرَ لي، فرأيتُ عن يميني وعن شمالي رجالًا يطوفون معي رؤُوسُهُم مُشرِفةٌ على البيتِ، واجتمعتُ بِه في رمضان سنةَ ثمان عَشرةَ وسبع مئةٍ بمكّةَ فوجدتُه قدْ ضَعُفَ، واشتدَّ عليه السُّعالُ، وانتفعتُ بمجالستِهِ، وأفادني بوعظِهِ وبحكمتِهِ، وبِعِلمٍ استبدَّ بِه، ثُم قالَ لي: مَا أظنُّ أجلي إلا قدْ حضرَ، وأحبُّ أن تكونَ وفاتي بالمدينةِ في جوارِ سيِّدي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلتُ لَه: اعمل على ذلكَ. فأوصاني بأن أشتري لَه مِنَ الدَّقيقِ وغيرِهِ مَا يكفيه لسنةٍ، وكان يبيتُ في بيتٍ عندَ الفقيهِ خليلٍ المالكيِّ، فطافَ يومًا ثُم خرجَ من المطافِ ودخلَ دِهْليزَ (٣) الفقيهِ المذكورِ عندَ بابِ إبراهيمَ، ثم دَعا بفراشٍ، فاستقبلَ القِبلَةَ، ثُم قضى، وذلكَ في السنةِ المذكورةِ، وصلَّى


(١) الخبر المغرب: الذي جاء غريبًا حادثًا طريفًا. "لسان العرب" مادة (غرب) ١/ ٦٣٩.
(٢) أصل الطائل: النفع والفائدة، ويقال: هذا أمر لا طائل فيه، إذا لم يكن فيه غناء ومزيّة. "لسان العرب" مادة (طول) ١١/ ٤١٠.
(٣) الدّهليز: الدّلّيج، فارسي معرب، والدّهليز بالكسر: ما بين الباب والدار فارسي معرب، والجمع الدّهاليز. "لسان العرب" مادة (دهلز) ٥/ ٣٤٩.