للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليه القَاضِي نجمُ الدِّينِ، فلم أرَ جنازةً أكثر تابعًا منها، من رجالٍ ونساءٍ وكبارٍ وصغارٍ، بحيثُ رأيتُ النَّعشَ محمولًا على رؤوسِ الأصابعِ، واسودَّ الكفنُ من أيدي النَّاسِ لكثرةِ لمسهم إياه للبركةِ.

وذكره المجدُ فقال (١): وطنجةُ مدينةٌ مقابلةُ الجزيرةِ الخضراءِ على ظهرِ جبلٍ، وماؤُهَا في قناةٍ تجري إليهم من موضعٍ لا يَعرفونَ منبَعَهُ، وأعمالُهَا مسيرةُ شهرٍ في شهرٍ، أعرضَ عن قضائِهَا، وتوجَّه إلى الحجَازِ، وأقبلَ على الحقيقةِ وتركَ المجازَ، وآثرَ المجاورةَ بدارِ الإيمانِ، مُنقطِعًا إلى عبادةِ الرَّحمنِ، مُنفردًا بالعلمِ والعملِ عن جميعِ الأقران، معَ التَّوجه العظيمِ، والصومِ المقيم، والمجاهدةِ في الأعمالِ، والمباعدةِ عن النَّاسِ وما هم فيه مِنَ الأحوالِ، والرياضِ البليغةِ التي أضمرَتْهُ حتَّى لم يبقَ منه إلَّا شبه الخيالِ، وأقرأَ العلومَ لمنْ يقصدُهُ من خواصِّ الرّجالِ، أحبَّ بأخَرَةٍ أن يتزوَّجَ، مُتابعةً للسُّنَّةِ، معَ نحافةِ البدنِ، وقصافةِ الجسمِ، وضعف المِنَّةِ، فخَطبَ له أصحابُهُ حليلةً جميلةً شاعت محاسنُهَا بين القبيلةِ، فلمَّا دخلَ عليها ونظرَ إليها وجدَهَا مُوشَمَةَ (٢) الشفاةِ، مُنمَّمَةَ السعاةِ، فاشمأزَّ طبعُهُ، وتكدَّرَ بما اصطفاه واستصفاهُ، فلم يفْغَرْ لمحادثتِهَا فاهُ، وخرجَ من عندِهَا وأرسلَ صداقَهَا وأوفَاهُ، ثُم لم يتزوجْ بعد حتى استأثَرَ اللهُ بِهِ وتوفاهُ، أخبرَ الشّيخُ أبو عبدِ الله الوادي آشي بشيءٍ عنه، وساقَ مَا تقدَّمَ، وقال: تُوفي عامَ ثمانيةَ عشرَ وسبع مئةٍ.


(١) "المغانم المطابة" ٣/ ١١٨٠.
(٢) الوشم: الوشم في اليد وذلك أن المرأة كانت تغرز ظهر كفّها ومعصمها بإبرةٍ حتى تؤثر فيه ثم تحشوه بالكحل أو النّيل، فيزرقّ أثره أو يخضرّ، والمعروف الآن في الوشم أنه على الجلد والشّفاه. "لسان العرب" مادة (وشم) ١٢/ ٦٣٨.