للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقورًا، ساكنًا، خاشعًا، قانعًا، انتفعَ عليه الطَّلبةُ، وتخرَّجَ به الفُضلاءُ.

ذكرَهُ الإسنويُّ في "طبقاته" (١)، وقال: كانَ أبوه روميًّا، من نصارى أنطاكيةَ، فوقعَ في سهمِ بعضِ الأمراءِ، فربَّاهُ وأعتقَه، وباشرَ النِّقابةَ لبعضِ الأمراءِ، فعُرَفَ بالنَّقيب، ثمَّ انقطعَ وتصوَّفَ بالبَيْبْرَسِيَّة (٢)، ولزمَ الخيرَ والعبادةَ، ونشأَ له ولدُه الشِّهابُ على قَدَمٍ جيِّدٍ، فكانَ أوَّلًا بِزِيِّ الجند، ثمَّ حفظَ القرآنَ، وقرأَ بالسَّبعِ، ثمَّ اشتغلَ بالعِلمِ وله عشرون سنةً، فلازمَ إلى أنْ مهرَ، قال: وكانَ عالمًا بالفِقهِ والقراءاتِ، والتَّفسيرِ والأصولِ، والنَّحوِ، ويستحضرُ من الأحاديثِ شيئًا كثيرًا، خصوصًا المتعلِّقةِ بالأورادِ والفَضائلِ، ذكيًّا أديبًا، شاعرًا فصيحًا، صالحًا ورِعًا، مُتواضعًا، طارحًا للتَّكلُّف، متصوِّفًا، كبيرَ المودَّةِ، كثيرَ البِرِّ، خصوصًا لأقاربِه، حسنَ الصَّوتِ بالقراءةِ، كثيرَ الحجِّ والمجاورة بمكَّةَ والمدينة، كثيرَ النُّصحِ والمحبَّةِ لأصحابِه، وافرَ العقلِ، مواظبًا على الإشغالِ والاشتغالِ والتَّصنيفِ، لا أعلمُ في هذا العلمِ بعدَه مَن اشتملَ على صفاتِه، ولا على أكثرِها، وشرَعَ في أشياءَ لم تكمُلْ، وبالجملةِ فهو ممَّن نفعَ اللهُ بهِ وبتصانيفه، ولم يكتبْ قطُّ على فُتيا تورُّعًا، ولا وُلِّيَ تدريسًا، وكان معَ تشدُّدِه في العبادةِ حلوَ النَّادرةِ، كثيرَ الانبساطِ، فيه دُعابة زائدةٌ، حُفِظَ عنه في ذلكَ أشياءُ لطيفة، انتهى.

وقد سألَه صاحبُه الجمالُ الإسنويِّ بتدريسِ الفاضلية (٣)، فامتنعَ، وماتَ قبله


(١) "طبقات الشافعية" للإسنوي ٢/ ٢٨٩.
(٢) تحرفت في الأصل إلى البدرسية، والمثبت من "الدرر الكامنة" ١/ ٢٣٩. وهو الصواب. وقد تقدم ذكرها.
(٣) المدرسة الفاضلية: بناها القاضي عبد الرحيم بن عليّ البيسانيّ بجوار داره، سنة ٥٨٠ هـ، ووقفها على طائفتي الفقهاء الشافعية والمالكية، وجعل فيها قاعة للإقراء، ووقف بها جملة عظيمة من الكتب في سائر العلوم، يُقال أنها كانت مئة ألف مجلد، وذهبت كلها لما وقع الغلاء بمصر سنة ٦٩٤ هـ، وإلى =