أحتملَ الأذى لأجلِه إلا في معصيةٍ، وأزهدَ في الدُّنيا، بأنْ أتركَ السَّعيَ في طلبِها، ولا اَخذَ منها إلا ما يكفيني، وأنْ لا أطلبَ بعلمي وعملي غيرَ وجهِ اللهِ ورضاهُ، قال: وعاهدتُه على تركِ جميعِ المعاصي الباطنةِ والظَّاهرةِ، ومنه التَّوفيقُ.
ذلك، وبالجُملةِ فكان فردًا في معناه، ولم يتركِ الحجَّ إلا سنةَ وفاتِه، لاشتغالِه بالمرضِ الذي يعجزُ معه عنه، وكانَ ابتداءُ مرضِه في العشرين من ذي القَعدةِ، سنةَ ثلاثٍ وستين.
وتُوفِّي في نصفِ ليلةِ الأحدِ رابعِ عشري المحرَّمِ من التي تليها، وهو ابنُ إحدى وثلاثين سنة.
ودُفِنَ بالبقيع، تحتَ قدَمي والديه، شمالي قبرِ سيِّدِنا إبراهيمَ ابنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وشهدَ جنازتَه جميعُ أهلِ المدينةِ، وتأسَّفُوا بأجمعِهم عليه، فرحمَهُ اللهُ وإيَّانا، وخلفَهُ في التَّدريسِ أخوه العزُّ عبدُ السَّلامِ، كما سيأتي.
وأفردَ له ترجمةً في كُرَّاسةٍ، ووصفَه في أوَّلِها: بأخي وسيِّدي، وشيخي، الشَّيخِ الإمام، العالمِ العاملِ العلّاَمة، المُحقِّقِ المُتقِن، المدقِّق الحبر، المفيدِ ذي الفضائلِ الحميدة، والعلومِ العديدة، شيخِ وقتِه، وفريدِ بلدِه، العابدِ النَّاسكِ، الورعِ السَّالك، الخاشعِ التَّقيَّ، المتَّقي الرَّبانيِّ.
وقال ابن فرحون (١): نالَ الدَّرجةَ العليا في الصَّلاحِ والدِّين، والعلمِ المتين، قال: وكانَ لي كالولدِ البارِّ، تغمَّدَه اللهُ برحمتِه، فما كانَ أحسنَ خصالَه الحميدة، وأخلاقَه السَّعيدة، وآراءَه الرَّشيدة.