ومِن مميزاتِ هذا الكتابِ أيضًا: أنَّه وهو يترجمُ للأعلامِ ينظرُ إلى التَّاريخِ بمفهومِه الحَضَاريِّ الواسعِ، فلا يقصُرُه على رجالِ السِّياسةِ والإدارةِ، وأبطالِ الحروب، بل يمدُّه ليشملَ رجالَ العِلمِ والثَّقافةِ، فنرى إلى جانبِ الخُلفاءِ، والأمراءِ والقادةِ الفقهاءَ والمفسِّرينَ، والقرَّاءَ، وعلماءَ اللغةِ، والكُتَّابَ، والشُّعراءَ، والعُبَّادَ، وبعضَ المتميزين من أربابِ الحِرَفِ، وهؤلاءِ جميعًا شركاءُ في صنعِ الحضارةِ، لكلٍّ منهم إسهاماتُه القيِّمةُ، وقد توسَّعَ المؤلِّفُ في نسبةِ الأعلامِ للمدينةِ المنوَّرةِ، فلم يقتصرْ على الذين وُلِدوا وعاشوا فيها، بل ضمَّ إليهم كلَّ مَن زارها، وأقامَ بها ولو سنةً واحدة، أو دَرَّسَ في مسجدِها، كما شملَ الأعلامَ الذينَ كان لهم أثرٌ فيها؛ ولو لم يُقيموا فيها، مثلُ أولئك الذين أوقفوا الأوقافَ لها، أو أرسلوا الأموالَ لإنشاءِ المساجدِ والمدارسِ، والمرافقِ الخيريةِ فيها.
ومنها: أنَّه في تتبُّعِه لهؤلاءِ الأعلامِ، والأحداثِ التي صنعوها، أو كانتْ لهم صلةٌ بها، قد سدَّ ثغراتٍ كثيرةً في تاريخِ المدينةِ المنوَّرةِ، فَثَمَّةَ سنواتٌ طويلةٌ لا نجدُ أيَّ حديثٍ عنها في كتبِ التَّاريخ، فتأتي التَّراجمُ لتحملَ أحداثًا، يجدُ المؤرِّخُ فيها بُغيتَه في تصوُّرِ وتصويرِ تلك الحِقَبِ.