للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فلمَّا كانَ من المعلومِ، المُقَرَّرِ عند أُولي العقولِ الصَّحيحةِ، وثاقِبِ الفُهُومِ، أنه عند ذِكْرِ الصَّالحين تنزلُ الرَّحمةُ (١)، وبتتبُّعِ اَثارهِم يَندفعُ كلُّ بلاءٍ ويقْمةٍ (٢)، وأنَّ الثَّناءَ على المُدْرَجِ فيهم في الأمواتِ، رحمة للأحياءِ من أهلِ المودَّاتِ، والاشتغالَ بنشرِ أخبارِ الأخيار -ولو بتواريخهم- من علاماتِ سعاداتِ الدَّارينِ لأولي العرفانِ والاختيارِ، بل يُرجَى إسعافُهم للمقَصِّر الذَّاكِرِ لهم بالشَّفاعةِ، وإتحافُهم من المولى بمرافقةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، إلى غيرِ هذا مما يُرغَّبُ فيه، ويُحَبَّبُ للتوجُّهِ إليه كلُّ وجيه.

توجَّهْتُ لبيانِ أحوالِ أهلِ طَيْبَةَ المشارِ إليها، والمخصوصةِ بِالمزيد من الفضائلِ المُنَبَّهِ عليها؛ لأحوزَ بركةَ المرتفعِ منهم، وأفوزَ بتنزُّلِ الرَّحمةِ حيث ذكرْتُهم، ولم أنصرفْ عنهم، خصوصًا ومَنْ أحَبَّ شيئًا أكثرَ من ذِكْرِه، والمرءُ مع حبيبه (٣) في حَشْرِه، ونعيمه ونَشْرِه، وإنْ لم يلحقْه في عملِه، ولا رافقه في سلوكه وسُبُلِه.

وألحقتُ بهم مَنْ تَخَلَّفَ عن طريقتِهم، ولم يَتَعرَّفْ ما أنعمَ اللّهُ به عليه، ولا تَبِعهم في توفيقهم، بحيث يُحْمَلُ ما نُقِلَ مما هو في أوائلِ "تاريخِ ابنِ عساكر" (٤) عن عمرِو بنِ


(١) أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" ٣/ ٢٨٨ من قول سفيانَ بن عُيينة. قال العراقيُّ: لا أصل له في المرفوع. "تذكرة الموضوعات" ص: ١٩٣، و "إتحاف السادة المتقين" ٦/ ٣٥١.
(٢) إن كان القصد أن تتبُّعَ آثار الصَّالحين بالاقتداء بأفعالهم الحميدة، وأخلاقهم الرَّشيدة ممَّا يدفع اللّه به البلاء والنِّقمة عمَّن اقتدى بهم، فيها، فهذا مُسَلَّم به، وإن كان القصد هو التَّتبُّعَ لآثارهم والتَّبرُّكَ بها رجاءَ حصول النفع، أو دفع الضرِّ، فلا.
(٣) يشير لحديثِ أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - مرفوعًا: "المرءُ معَ مَنْ أحبَّ". أخرجه مسلم في كتاب البر، باب المرءُ مع من أحبَّ ٤/ ٢٠٣٢ (١٦١) بنحوه.
(٤) الأثرُ ضعيفٌ. "تاريخ دمشق" ١/ ٣٥٨ من طريق نُعيم بن حماد، عن رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن بُكير بن عبد اللّه بن الأشجِّ، عن عمرو بن العاص به.=