للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخبرني، فقال لي: واللّه ما لقيتُ مِن اللّهِ إلا خَيرًا، فقلتُ له: واللّه لا بُدَّ، وكانَ في ذِهني ما كانَ يحكيه مِن حالِهَ في أيَّامِ شُبوبيتِه، وما كانَ فيه مِن التَّخليطَ الذي نحنُ فيه مِن قراءةِ الأسباعِ والرَّبعاتِ، والدُّروسِ وتناولِ الصُّرَر، وقلتُ: إنَّ مَنْ حالُه كذلكَ لا يَسلمُ مِن تَبِعَةٍ، ولو بالسُّؤالِ عن ذلك، فقال لي: واللّه، ولا شيءَ، فأعدتُ عليه ثلاثَ مرَّاتٍ، فقبضَ على شيءٍ يسيرٍ مِن جلدِ ظاهرِ كفِّهِ بأسَنانِه، فقال: واللّه ولا مثلَ هذا، فأوقعَ اللّهُ في ذهني أنَّه في دارِ الحقِّ، وأنَّه لم يقلْ إلا حقًّا، فبكيتُ، وأردتُ أنْ أسألَه عنْ حالٍ (١)، ثُمَّ أُنسيتُ، وقلتُ له: أنتَ صاحبي، فلا تنسني، واشفعْ لي. ماتَ في سنةِ أربعٍ وثلاثين وسبعِ مئةٍ، ومولدُه سنةَ تسعٍ وخمسين وستِّ مئةٍ.

وذكره المجد (٢) فقال: مِن الأدباءِ البارعين، والفُضلاءِ الفارعين، والعلماءِ العاملين، والكُبراءِ الكاملين، كانَ أُعجوبةَ وقتِه في الفَطانةِ والفَقاهة (٣)، وسرعةِ الجَوابِ الحَسَنِ على البداهة، وإيرادِ الحكاياتِ المُطْرِفَة، وإسنادِ الرِّواياتِ الغريبة المُتْحِفة، يقضي المجلسَ بلوامعِ الأدبِ وبارقتِه العجيبة، ولا يخطرُ ببالِ جليسِه مباعدتُه ومُفارقتُه، كانَ يُخبرُ أنَّه رأى سيِّدَنا رسولَ اللّه - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فأنشدَه بعضَ قصائدِه، فبصقَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في فِيه، وقال له: لا فُضَّ فُوك، ومن مُصَدِّقَاتِ هذه الرُّؤيا أنَّه نَيَّفَ على السَّبعين (٤) وأسنانُه ألمعُ وأجمعُ مِن أسنانِ ابنِ عشرين، لم تسقطْ إلى أنْ


(١) في المطبوع من "نصيحة المشاور": حاله، ص ١٦٥.
(٢) في "المغانم المطابة" ٣/ ١١٧٦ - ١١٧٧.
(٣) كذا في الأصل، والفقاهة: المباحثة في العلم. "القاموس": فَقِهَ. وفي "المغانم": والفصاحة.
(٤) كذا في الأصل، وفي "المغانم": التسعين.