للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقدِموا المدينةَ، فدَعوا إلى الإسلامِ حتى فشا فيها، ولم يبق دارٌ من دورِ الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.

وجعلَ البلاءُ يشتدُّ على المسلمين من المشركين، لمِا يعلمون من الخزرج، فضيّقوا عليهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشَّتم والأذى.

فَشكَوا ذلك إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، واستأذنوه في الهجرة إلى المدينة لإخوانهم من الأنصار، فأذِنَ لهم، فخرجوا أرسالًا، مخُتفين حتى قدموا على الأنصارِ في دورهم، فآووهم ونصروهم وواسوهم.

ولمَّا علمَ المشركون بذلك، وأنَّه لم يبق بمكَّة إلا رسولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر وعليٌّ رضي اللّه عنهما، أو مفتونٌ محبوسٌ، أو مريضٌ، أو عاجز عن الخروج: خافوا خروجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فاجتمعوا في دار النَّدوة (١)، ولم يتخلَّفْ أحدٌ من أهل الرَّأي والحِجى، ليتشاوروا في أمره، وحضرَهم إبليسُ اللَّعين، في صورةِ شيخٍ كبيرٍ من أهل نجد، فقيل: يُحبس أو ينفى، فلم يرتضِ إبليس بواحد منهما.

فقال أبو جهلٍ: أرى أن نأخذَ من كلِّ قبيلةٍ من قريشٍ غلامًا نَهْدًا جَلْدًا (٢)، ثمَّ نعطيه سيفًا صارمًا، فيضربونه ضربةَ رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دمُه في القبائل، فلا يدري بنو عبد مَنافٍ بعد هذا ما يصنعون، فاستصوبَه إبليسُ، وتفرَّقوا مجمعين على ذلك،


(١) كان ذلك الاجتماع في يوم الخميس السادس والعشرين من صفر، سنة أربع عشرة من المبعث، أي: بعد شهرين ونصف تقريبًا من بيعة العقبة الثانية.
"الرحيق المختوم"، ص: ١٥٨، وانظر "مغازي عروة" ص: ١٢٨.
(٢) نَهْدا، أي: قويًا ضخمًا، وجَلْدًا، أي: صلبًا صابرًا.
"النهاية" ٥/ ١٣٥، و ١/ ٢٨٤، ٢٨٥.