للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أثنَى عليهِ الأسنَوِيُّ في ترجمةِ أخِيهِمَا النَّجمِ حسينٍ مِنْ "طبقاتِهِ" (١)، وأنَّه ماتَ بالمدينةِ قَبْلَ النَّجمِ (٢) بنحْوِ خمسةَ عشرَ سنةً، كما سَيأتِي في الزُّبيرِ.

وقَالَ ابنُ فرحون (٣): كان مِنَ العلماءِ المتقشِّفِينَ المُتَخَيِّلين، بحَيثُ كان إذا خَرَجَ مِنْ بيتِهِ يقِفُ ساعةً يُعوِّذُ بابَهُ، ويُحوِّطهُ، ويظُنُّ أنَّهُ يُخلَفُ على بيتِهِ، فإذا رَجَعَ إليهِ تخَيَّلَ إليهِ أنَّهُ تحوَّلَ وتغيَّرَ، فَيدْعُو على مَنْ فعَلَ ذلكَ، ومَا ثَمَّ سِوَى الخَيال، وكانَ على بَابِ بيتِهِ ورَقَةٌ طويلةٌ عريضةٌ، فيها مِنَ التَّعاوِيذِ والأقْسَامِ، وعزائِم الجانِّ أنواع. كلُّ ذلكَ معَ الصَّلاحِ الكَثيرِ، والانقطاعِ العظيمِ، والتَّعَبُّدِ والتِّحَرُّزِ، وكثْرَةِ الصَّدَقَةِ، وكَانَ يتَّهم المَحْيَويَّ الحورانيَّ (٤) بأنَّهُ يسْحَرُهُ في كُتبِهِ وفي قِدْرِهِ. قالَ لي يوماً: بينما قِدرِي علَى النَّارِ، إذْ صَارَ أسفلُها مثلَ الغِربَالِ، ينزِلُ منهُ المَرَقُ نُزُولَ المطرِ، فَعلمْتُ أنَّها مَسحُورة، فَقَرَأتُ عليهَا كذَا وكذَا، حتَّى زَالَ ذَلكَ عنْهَا.

وكانَ إذا أعارهُ أحدٌ كتاباً، ثُمَّ جاءَ لطلبِهِ يدخلُ بيتَهُ فيدُورُ، ثُمَّ يخرُجُ فيقُولُ لهُ: كتَابُكَ أُخذَ منْ بيتِي السَّاعةَ، ولكنَّهُمْ سيَرُدُّونَهُ إليَّ عنْ قَريبٍ؛ لأنَّ هذ عَادتهمْ معِي فيهِ، فيذهبُ صاحبُ الكتابِ وهوَ متشوِّشُ الخاطرِ، ثُمَّ يرجعُ إليهِ، فيجِدُ كتابَهُ، فيقُولُ: هذَا كتَابُكَ ردُّوهُ إليَّ.


(١) "طبقات الشافعية" للأسنوي ١/ ٨٥ (١٥١).
(٢) مات نجم الدين حسين في صفر سنة تسع وثلاثين وسبع مئة. "الطبقات" لابن قاضي شهبة ٢/ ١١١.
(٣) "نصيحة المشاور" ص ١٠٠.
(٤) هو الشيخ يحيى بنُ زكريا الحورانيُّ، الشَّافعيُّ. كان ينوب في الحكم عن القاضي السراج عمر بن أحمد بن الخضر، توفي سنة ٧٢١ هـ، ودفن بالبقيع. "العقد الثمين" ٦/ ٢٢٢.