للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالَ للسِّراجِ ما حاصلُهُ: عملتُ قصيدةً ذكرتُ فيها مِنْ صِفَاتِ النَّبيِّ ما لمْ يذْكرهُ غيرِي، فقالَ لهُ: هاتِ منهَا، فذكرَ أبياتاً مِنهَا: فبوَطئهِ صَارَ التُّرَابُ طهوراً فقَالَ لهُ السِّراجُ: كذَبَ منْ قالَ هذَا، فأخذَ عليهِ وهَجَرَهُ، وبعثَ إلى القَاهِرَةِ يسْتفتِي فِيمَا يجِبُ عليهِ، ومَكَثَ أيَّاماً لا يُصلِّي خلفَهُ، ويترُكُهُ حتَّى يقِيمَ الصَّلاةَ، ويَدخلَ المِحرَابَ في العَشَاءِ الآخِرَةِ، فيتَقدَّم إلى الشَّمعةِ فيَقِدُ منْهَا شَمعتَهُ والإمامُ يصلِّي، وربَّمَا ركَعَ وهُوَ قَائِمٌ يُحسِّنُ الطوافةَ ويفتِل رَأسَهَا، حتَّى أُنْكرَ ذلكَ عليهِ، والسِّراجُ يتغافلُ عَنهُ، ويَكرَهُ شرَّه؛ لأنَّهُ كانَ لهُ بالقاهرةِ أهلٌ وأقرباءُ، أجلُّهم أخُوهُ حسينُ الأسوانِيُّ، علّاَمةُ القاهرةِ في وقْتِهِ، ووَلدُهُ أيضاً مِنَ المتَّقِينَ المتقين، واستَمَرَّ صَاحِبُ التَّرجمةِ على هَذَا حتَّى قامَ النَّكيرُ عليهِ. وأخْبرنِي أنَّهُ لَمَّا انتَقَلَ مِنَ المدْرَسَةِ، ومُنِعَ مِنَ الجَامكية (١) وكَانَ لهَا يومئذٍ وَقعٌ، لقِيَهُ رجلٌ لا يعرفهُ، ولا يدْرِي مَنْ هوَ، فأَعْطاَهُ صُرَّةً فيهَا القدرُ الذِي كانَ يُدفعُ لهُ فِي المدْرَسَةِ.

وقال المجدُ (٢): كَانَ أحَدَ الفُضلاءِ الأبدالِ، الجوَّالِينَ في عَالَمِ الخَيَالِ، قَدْ غَلَبَ عليهِ التَّوهُمُ والتَّخَيُّلُ، حتَّى سَدَّ عنهُ بابَ التدْبِيرِ والتَّحيُّلِ، كان شأنُهُ في التَّخَيُّلِ مِنْ أعْجَبِ العَجَائِبِ، ولهُ فيهِ حِكايَاتٌ وواقعاتٌ وغرائبُ. إذَا خرَجَ مِنْ بيتِهِ يقفُ زماناً طويلاً على البابِ، ويقْرَأُ عليهِ وُيعوِّذُ ويحوِّطُ بآيٍ كثيرةٍ مِنْ الكِتَابِ، ويُحكِمُهُ بِأَقْفَالٍ ومَغَالِيقَ وثِيقَةٍ، فإذَا رجعَ لا يَشكُّ أنَّهُ تغيرَ جميعُ مَا فِي بيتِهِ حقِيقَةً، وكَانَ يتَّهِمُ جماعةً مِنَ الصَّالحينَ الكِبَارِ، بأنَّهمْ يسْحرُونَهُ آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ، ذَكَرَ بعضُ أشياخِ


(١) الجامكية: الرواتب عامَّةً.
(٢) "المغانم المطابة" ٣/ ١١٩٦ (٢١).