للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المدينةِ أبوابَهم، فلمَّا كانَ الغَدُ اجتمعَ عليه شِيعةُ بني العبَّاسِ، فقاتلوهم، وفَشتِ الجراحاتُ في الفريقينِ، واقتتلوا إلى الظُّهر، ثمَّ افترقوا، ثمَّ أتى مباركٌ التُّركيُّ إلى شيعةِ بني العبَّاسِ مِنَ الغدِ، وكانَ قد قَدِمَ حاجًّا، فقاتلَ معهم، فاقتتلوا أشدَّ قتالٍ إلى منتصفِ النَّهار، ثمَّ تفرَّقوا، ورجعَ أصحابُ الحسينِ إلى السجدِ، وواعدَ مباركٌ النَّاسَ الرَّواحَ إلى القتالِ، فلمَّا غَفَلُوا عنه ركبَ رواحلَه، وانطلقَ، وراحَ النَّاسُ فلم يجدوه، فقاتلوا شيئًا مِن قتالٍ إلى المغربِ، ثمَّ تفرَّقوا. وقيل: إنَّ مباركًا أرسلَ إلى الحسينِ يقولُ له: والله لأنْ أسقطَ مِن السَّماءِ، فتخطفَني الطَّيرُ أسهلُ عليَّ من أنْ تَشوكَكَ شوكةٌ، أو تُقَطعَ من رأسِكَ شعرةٌ، ولكنْ لا بدَّ من الإعذار، فبيِّتْنِي فإني منهزمٌ عنكَ، فوصَّى إليه الحسينُ، وخرجَ إليه في نفرٍ، فلمَّا دنوا مِن عسكرِه صاحوا وكبَّروا، فانهزمَ هو وأصحابه (١)، وأقامَ الحسينُ وأصحابُه أيَّامًا يتجهَّزون، فكانَ مُقامُهم في المدينةِ أحدَ عشرَ يومًا، ثمَّ خرجوا لستٍّ بَقِينَ مِن ذي القَعدةِ، فلمَّا خرجوا عادَ النَّاسُ إلى المسجدِ، فوجدوا فيه العِظامَ التي كانوا يأكلون، وآثارَهم، فجعلُوا يدعون عليهم، ولمَّا فارقَ أهلَ المدينة قالَ: يا أهلَ المدينةِ، لا يَخلفُني اللهُ عليكم بخيرٍ، فقالوا: بل أنتَ لا يُخلِفُ اللهُ عليكَ، ولا ردَّكَ إلينا، وكانَ أصحابُه يُحدِثونَ في المسجدِ، فغسلَه أهلُ المدينةِ، ولمَّا وصلَ الحسينُ لمكةَ أمرَ فنودي: أيُّما عبدٍ أتانا فهو حرٌّ، إلى أنْ كانَ اقتتالُ الفريقين يومَ التَّرويةِ، فانهزمَ أصحابُ الحسينِ، وقُتل، هو وجِيءَ برأسِه إلى الهادي، فلمَّا وُضعَ قال: كأنَّكم جئتموني برأسِ طاغوتٍ من


(١) قال ابنُ الأثير: وغضب الهادي على مبارك التركي، وأخذ ماله، وجعله سائس الدواب، فبقي كذلك حتى مات الهادي. "الكامل" ٦/ ٩٣.