وظَهرتْ لهُ في النَّاسِ كراماتٌ، وأخبارٌ بالمُغَيَّبَاتِ (١)، حتَّى انعطفَ النَّاسُ عليهِ لِعلمِهِ وعَملِهِ، وكَرَمِهِ وحسنِ خُلقِهِ، وكانَ مع ذلك مَهِيبًا في جماعتِهِ، بل في الحرمِ كلِّهِ.
قال لي منْ أثقُ بهِ: إنَّهُ كانَ إذا دخلَ المسجدَ خضعَ لهُ كلُّ من فيهِ مِنْ كبيرٍ وصغيرٍ، ومتى رأى مُنكرًا غيَّرَهُ بلسانِهِ أو بيدِهِ، ولا يأتِيهِ مظلومٌ إلّا شَفعَ لهُ، فإنْ أجيبَ، وإلَّا عُجِّلتْ عقوبةُ الظالمِ في الوقتِ.
أخبرني مَنْ أثقُ بهِ: أنَّ الشَّيخَ أبا العلاءِ إدريسَ تكلَّمَ بكلامٍ وصلَ إلى الأميرَ جمَّازٍ، فغضِبَ عليهِ، وأمَرَ بإخراجِهِ مِنَ المدينَةِ، وذلكَ أنَّ شيخَ الخُدَّامِ في وقتِهم كان يُحسن إليهِ، وإلى سائرِ المُجاورين، ويفرِّقُ عليهم من السَّنةِ قدرَ كفايَتِهم وعِيالهِمْ، وكان شيخُ الخدَّامِ يومئذٍ يجرِي في الأوقافِ مجرَى أهلِ المدينةِ في مغارساتِهِمْ ومُعاملاتِهِم على جاري العادةِ في المدينةِ وأحكامِ قُضاتِهَا، ولهم عادةٌ في المغاربةِ غيرُ جائزةٍ بإجماعٍ منَ الأئمَّةِ، والأملاك لا تُعمرُ إلّا بها، ولا يرغبُ في خدمتِهَا إلّا مَنْ يأخذُها بذلك، فبلغَ ذلكَ أبا العلاءِ المذكور وكان مِنَ الوَرِعينَ
(١) إنَّ الإخبارَ بالمغيبات من خصائص الله عز وجل، والإخبارَ بها خللٌ عقديٌّ، فتنبَّه، وهو من صنيع الكُهَّان والعرَّافين، وتصديقهم خطير، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أتى عرَّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" رواه مسلم.