مَنْ رُفقتُكَ؟ فذكرتُ لهُ جماعةً من الفرَّاشينَ وغيرِهمِ، فقالَ لي: ليسَ في هؤلاءِ مَنْ هو مِنْ جنسِكَ، ولا مَنْ تليقُ بك مرافقتُهُم، ولكنِ اصبرْ قليلًا حتَّى ننظُرَ لكَ رفقاءَ، فقلتُ له: قد ضاقَ الوقتُ، ومضى أكثرُ رمضانَ، فقال لي: اسمعْ ما أقولُ لكَ، فذهبتُ عنهُ ووثقتُ بوعدِهِ، فما كان إلَّا قليلًا، ووردَ الشَّيخُ: محُمَّدُ بنُ عمرَ ابن الخضريِّ، وجماعةٌ من الصَّالحينَ للزِّيارةِ، فدعانِي الشَّيخُ، وقال: سافِرْ معَ هذا، فسافرتُ معهُم، فرأيتُ منهُ ومِنْ أصحابِهِ مِنَ الخِدمةِ والمُؤانسَةِ ما لو كان والدِي معِي لم يبلُغْهُ، ولم أحملْ معهُم سِوى عَصايَ، فدخلتُ مكَّةَ ليلةَ ثامنَ عِشري رمضانَ، وخرجتُ يومَ العيدِ متوجِّهًا إلى المدِينةِ معَ الشيخِ الصَّالحِ محمودٍ اللّاَريِّ ذي الأخلاقِ الحميدةِ، والمعاشرةِ الجميلةِ، والدِّيانةِ التَّامَّةِ، والمبادرةِ لانتظارِ الصَّلاةِ مِنْ أوَّلِ الوقتِ، فصحبتُهُ بإشار الشَّيخيْنِ أبوي عبدِ اللهِ النَّحويِّ، والشَّريفِ الفاسيِّ، فكانَ نِعمَ الصَّاحبُ، ووصلتُ المدينةَ في ستَّةِ أيَّامٍ، وَكان ذلك كلُّهُ بِبَركَةِ رأيِ صاحبِ التَّرجمةِ، وخاطرِ والدِي.
وكانَ صاحبُ التَّرجمةِ قدْ ابتُليَ في آخرِ عُمرهِ بالبواسيرِ، وانقطَعَ في بيتِهِ لذلك، ولزِمَ حجرتَهُ، وقاسى مِنهُ مقاساةً شديدةً، بِحيثُ كان يقولُ: لو جازَ لي سؤالُ الموتِ لسألتُهُ منْ شِدَّةِ ما قاسَى.
ولهُ مِنَ المناقِبِ والأحوَالِ العليَّةِ ما لا أُحصِيهِ، وهو صاحبُ القَصيدَةِ الجليلةِ السَّائرةِ المباركةِ التِي أوَّلهُا:
دارُ الحبيبِ أحقُ أنْ تهواها … وتحنَّ من طَرَبٍ إلى ذِكْرَاها
ورأى بعضُ الصَّالحين -وأشكُّ أهو صاحبُها أو غيرُه؟ - النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في المنام،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute