للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعلوِّ الإسناد؛ فلم يكنْ بالمدينةِ أعلا إسنادًا منه، وكانَ صبورًا على الإسماعِ والاشتغالِ، كهفًا لأهلِ السُّنَّةِ، يذبُّ عنهُم، ويناضِلُ الأمراءَ والأشرافَ، وانتهى بذلكَ إلى أن امتُحِنَ، فرُصِدَ في السَّحَرِ بطريقِ الحرمِ، فطُعنَ طعنةً عظيمةً، أُريدَ فيها قتلُهُ، فصَرفَ الله شرَّها، وعافاهُ منها، وكانَ عليهِ مدارُ أمورِ النَّاسِ بالمدينةِ، ونابَ في القضاءِ نحوَ أربعٍ وعشرين سنةً، وأمَّ في المحرابِ النَّبويِّ في بعضِ الصَّلواتِ، ودُعي إلى أن يقومَ للإمامةِ والخطابةِ نائبًا، فامتنعَ إعظامًا للمقامِ النَّبوىِّ.

وكانَ كثيرَ التِّلاوةِ ليلًا ونهارًا، خُصوصًا في أواخِرِ عمرِهِ، حتَّى إنِّي شاهدتُهُ في أيَّامِ الموسمِ والنَّاسُ في أشدِّ ما هم فيهِ منَ الاشتِغالِ مشغُولًا بوردِهِ في التِّلاوة، لا يقطعُهُ عنه شيءٌ، وكان يُحيي غالبًا (١) الثُّلثَ الأخِير من اللَّيلِ بالصلاةِ والتِّلاوةِ، من حداثَةِ سنِّهِ إلى أن ثَقُل بمرضِ الموتِ، وكانَ مواظبًا على الصفِّ الأوَّلِ من الرَّوضةِ النَّبويَّةِ نحوَ ستِّينَ سنة، وما يُفتحُ بابُ الحرمِ في السَّحرِ إلَّا وهو على البابِ.

[وحَجَّ] (٢) نحوَ خمسٍ وخمسين حجةً، ولم يخرجْ منَ المدينةِ إلى مكَّةَ إلَّا للحجِّ حتَّى مات، وقالَ في آخرِ حجَّاتِهِ: هذهِ حجَّةُ الوداعِ، وكانَ مِمَّن جمعَ اللهُ له العلمَ والعملَ، والدُّنيا والدِّين، وكانَ أعظمَ أهلِ المدينةِ يسارًا، وأكثرَهُم عَقارًا،


(١) في الأصل: غالب، والتصويب من "الديباج".
(٢) ما بين المعكوفين من "الديباج" حيث نقل منه المصنف.