للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لو ماتتِ اليومَ ما ندمتُ على حديثٍ عندها، لأنِّي وَعَيْتُهُ، قالَ: ولقد كانَ يبلغُنِي عن الرَّجلِ من المهاجِرينَ الحديثُ فآتِيهِ، فأجدُهُ قائلًا، فأجلسُ على بابِهِ حتَّى يخرجَ.

وكانَ يقرأُ ربعَ القرآنِ كلَّ يومٍ في المصحفِ نظرًا، ويقومُ بهِ اللَّيلَ، لم يتركْ ذلك إلَّا ليلةَ قُطعتْ رِجلهُ، وكانتْ وقعتْ فِيها الأَكَلةُ فنشرَهَا، وسببُ ذلكَ أنَّهُ خرجَ إلى الوليدِ بنِ عبدِ الملكِ، فلمَّا كانَ بوادِي القُرى وجدَ بِرجلِهِ شيئًا، فظهرتْ بهِ قُرحةٌ، وترقَّى بهِ الوجعُ، فلمَّا قدِمَ على الولِيدِ قال له: اقطعْها، قال: دونَكَ، فدعَا له الطَّبيبَ، فقال له: اشرَبِ المُرْقِد (١) فأبى، فقِيلَ: فإذا دَخَلَ في الصَّلاةِ يَشتدُّ خُشوعُهُ فافعَلُوا، فما تضوَّرَ وجهُه (٢)، وقالَ الوليدُ: ما رأيتُ شيخًا قطُّ أصبرَ مِنه، ولمَّا رأى رِجلَهُ في الطَّستِ قال: الله أعلمُ أنِّي ما مشيتُ بِها إلى مَعصِيَّةٍ قطُّ، وأنا أعلمُ.

وكانَ أُصِيبَ في تلكَ السَّفرةِ بابنِهِ محمَّدٍ، رَكضتهُ بغلةٌ في اصطَبلِ دوابّ، فلم تُسمَع مِنهُ كلمةٌ في ذلك. نعمْ قالَ وهوَ بوادِي القُرى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (٣)، اللَّهمَّ كانَ لي بنونَ سبعةٌ، فأخذتَ مِنهُم واحدًا وأبقيتَ ستَّةً، وكانَ لِي


(١) في "الإفصاح في فقه اللغة" ١/ ٥٤١: المُرْقِد: شيء يشرب فينوم.
وهو في اصطلاحنا: المخدِّر، أو البَنج.
(٢) "شعب الإيمان" ٧/ ١٩٨، و"تاريخ الإسلام" ٦/ ٤٢٧، وقال: ولهذه الحكاية طرق.
(٣) سورة الكهف، الآية ٣٩.