للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العِلمُ بِوفاتِهِ، فرَجعَ فضَمَّ ما حصَلَ لهُ مِن ميراثِهِ، وهو مئةٌ وخمسونَ دِينارًا سِوى الكتبِ وغيرِها، فلمَّا عادَ أخذَ الجَوْجَرِيُّ في التَّكلُّمِ معهُ، وهو يبالِغُ في الاعتذارِ والعجزِ إلى أن أذعنَ ودَفع له ثُلثَ الميراثِ، وقامَ القاضِي بالوليمةِ، فكانَ مصرُوفُها زيادةً على مئةٍ، ودخلَ بِها، ولم يرَ إلَّا خيرًا. بل كانَ القاضِي يحضُّهُ على عدمِ الاتِّساعِ. هذا معَ أنَّهُ كان يريدُ ما تأخَّرَ مِن الميراثِ، فيربحُ فيهِ ما يوازِي كلفتَهُ، فأكثرَ من غيرِ قطعٍ بذلكَ عنِ التَّوجُّهِ للعلمِ، وله في ذلكَ عنايةٌ ربانيةٌ.

ولمَّا حضرَ لشيخِهِ بعد مَا وقعَ في خاطِرِهِ، قال لهُ يومًا: يا فلانُ، الشَّخصُ إذا أقبلَ على الله يُقبلُ النَّاسُ عليهِ أوَّلًا، ثُمَّ ينحرفُونَ عنهُ ويؤذُونَه، لأنَّ سنَّةَ الله في عَبادِهِ قد جرتْ بابتلائِهِم واختبارِهِم، تطهيرًا لهم مِن السُّكونِ إلى القلقِ، وتخليصًا لهمْ من الالتجاءِ لغيرِ الحقِّ. قال تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (١).

ثُمَّ حكَى أنَّ شَيخَهُ السَّيدَ الطَّباطبِيَّ كانَ بخلوتِهِ في جامعِ عمروٍ، فتسلَّطَ عليهِ قُرُقماسُ الشَّعبانيُّ (٢) الناظرُ لهُ، وأخرجهُ مِنها، فلمَّا أصبحَ السَّيدُ جاءهُ شخصٌ، وقالَ له: رأيتُكَ اللَّيلةَ في المنامِ جالسًا بين يَدي النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يُنشدُكَ:


(١) سورة العنكبوت: آية ١ - ٣.
(٢) قُرُقْماسُ الشَعبانيُّ، الظاهريُّ برقوق، ثمَّ النَّاصريُّ، الأمير الكبير، الدِّوادار، أميرُ مكة، كانَ متكبرًا، قُتلَ بالإسكندرية سنة ٨٤٢ هـ. "الإنباء" ٩/ ٥٢، و"الضوء" ٦/ ٢١٩.