للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والعربيةِ والحديثِ، واللُّغةِ والمعاني، والبيانِ والآدابِ، والمشاركةِ العظيمةِ في سائرِ العلومِ، قد بلغَ في العلومِ الأدبيَّةِ النِّهايةَ.

إنْ قلتَ: لم يكنْ في زمانِه بالمدينةِ والحجازِ مَنْ بَرَعَ براعتَهُ ولا سادَ سِيادَتَهُ، فشهادةُ حَقٍّ، عَلِمَها كلُّ الخَلق، ممَّن جلَّ ودقَّ.

كانَ يُلقي درسَ الفقهِ في "مختصر ابن الحاجب" فيحضرُه الشَّيخانِ حسنٌ الحاحائيُّ، وعبدُ السَّلامِ بنُ غَلّابٍ (١) الماضي ذِكرُهما، وهما مِن الفقهِ بمكانٍ لم يلحقْهما في عِلْمهما وعَمَلِهما مثلُهما، فكانا يدقِّقَان البحثَ المتين معه، فيظهرُ عليهما بذهنٍ ثاقبٍ، وحفظٍ متين.

وله تواليفُ مفيدةٌ في العربيةِ، والحديثِ، واللُّغةِ، والتَّصوُّف، و"ديوانٌ" كبيرٌ في مدحِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ومدحِ غيره، و"تذكرةٍ" في مجلداتٍ مشتملةٍ على فوائدَ وغرائبَ.

وكانَ السِّراجُ الدَّمنهوريُّ يقولُ للطَّلبةِ: إذا حضرَ الفقيهُ نورُ الدِّين، فأَحضروا معكم الدَّواةَ والورقَ حتى تُقيِّدوا مِن فوائدِه، ومِن أشعارِه واستشهاداتِه، فكانَ كذلك، وناهيكَ بهذا مِن السِّراجِ.

وكانَ له ميعادُ وعظٍ، يقرؤُهُ في كلِّ جمعةٍ بعدَ الصَّلاةِ على كرسيٍّ عالٍ بالرَّوضةِ بصوتٍ حسنٍ، وأداءٍ حسنٍ، بحيث لا يَمَلُّ السَّامعُ مِن قراءته، بل يتلذَّذُ بإطالته، ووعظُه مِن كلامِ ابنِ الجوزيِّ في "التبصرة" (٢)، فكانَ بعضُ النَّاسِ يقول: عاشَ


(١) في "نصيحة المشاور" ص ٢٦٩: غلام بدل غلاب، وهو تصحيف.
(٢) الكتاب مطبوع في مجلدين.