وكذا ابنُ فرحونٍ، وقال: الشَّيخُ الإمامُ، العلَّامةُ، أقضى القضاةِ، شيخُنا، كانَ إمامًا من أئمَّةِ الحديثِ والتَّاريخِ، والفقهِ، والمشاركةِ في العلومِ، وَلِيَ نيابةَ الحكمِ والخطابةَ والإمامةَ عن القاضي الشَّرَفِ الأُميوطِيِّ، وكانَ رحمَه اللهُ جمالًا للمنصبِ، مُتخلِّقًا بأخلاقِ كلِّ مَنْ ذكرتُهُ مِنَ الصَّالحين، ليسَ منهم شيخٌ ولا كبيرُ قدرٍ إلا وهو معه في حوائجِهِ، ويساعدُهُ في قليلِهِ وكثيرِهِ، لم نجد بعدَ والدِنا مثلَهُ في الإحسانِ إلينا، والشَّفَقَةِ علينا، وَلِيَ تربِيتَنا وتعلِيمَنَا، والسَّعْي في مصالحِنا كأبينا، وكانَ لكلِّ قادِمٍ إلى المدينةِ كالأهلِ في الإسكانِ والكِسوةِ، والتَّعريفِ، وتربيتهِ عندَ الشيخ والخُدَّام، حَسَنَ المحاضرةِ إذا جلستَ إليه لم تحبَّ مفارقتَهُ، لم يأتِ بعدَهُ مثلُهُ، ولا علمتُ فيمَنْ كانَ بعصرِنا مَنْ له فضلُهُ. كانَ جامِعًا للمحاسِنِ والفضائلِ، صَدْرًا مِنْ صدورِ الأفاضلِ، وقد تخلَّلَ ذكرنا مع مَنْ ذَكَرْنا من الشُّيوخِ العاملين، والأولياءِ الصَّالحين، لم نسمَعْ أحسنَ مِنْ صوتِهِ في المنارَةِ، كان يُفضَّلُ على صاحبِهِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ إلا أنَّه كانَ لا يبذُلُ عملَه كما كانَ ذاك، فكانَ في عِزَّةِ نفسِهِ، والمحافَظَةِ على مروءَتِهِ في أعلا المقاماتِ، وأسنى التَّنزُّهاتِ.
وقد عَرَضَتْ لي حكايةٌ عنه، فيها تسليكٌ لِمَنْ ذاتُهُ عَلِيَّةٌ، وتعزِيَةٌ لِمَنْ نفسُهُ خَسيسَةٌ رَدِيَّةٌ، وذلكَ أنَّه كانَ في بدايةِ شأنِهِ، وعُنفُوانِ شبابِهِ محُبًّا إلى أترابِه وإخوانه، لا يخرجون إلى زيارةٍ، ولا يجتمعونَ في منتَزَهٍ إلا أخذُوه مَعَهُم، وكانَ قد شَرَكَهُ في المِئذَنَةِ والرِّئاسَةِ بها الشَّيخُ عِزُّ الدِّين المؤذِّنُ، لأنَّ المدينةَ لمّا لم يكنْ فيها مَنْ يُوثَقُ به في