للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معرفةِ الأوقاتِ وتحريرِها، بعثوا لها مِن مصرَ ثلاثةَ رؤساءَ، أحدُهم: والدُ صاحبِ التَّرجمة، والثَّاني: إبراهيمُ والدُ محمَّدٍ، والثَّالثُ: عِزّ الدِّينِ، فتُوُفِّي مَنْ عدا الثالثِ، وكانا النِّهايةَ في معرفةِ الوقتِ وحُسْنِ الصوتِ، وبَقِيَ عزُّ الدِّينِ، فطالت مُدَّتُهُ حتَّى أسَّنَّ وعَجَزَ، وكانَ حَسَنَ الهيئةِ، ذا لحيةٍ طويلةٍ ورئاسة مليحةٍ.

واتَّفَقَ أنْ خَرَجَ صاحبُ التَّرجَمَةِ يومًا مع أصحابه، فباتوا قي مسجدِ قُباءَ، وقالَ لعِزِّ الدِّين: قُمْ عَنِّي في نَوبَتِي، فأخلَفَهُ عِزُّ الدِّينِ، فلم يَقُم، وبقيت المئذَنَةُ شاغرةً مِن الرَّئيسِ، فلمَّا جاءَ صاحبُ التَّرجمةِ تكلَّمَ عليه الشَّيخُ عزيزُ الدَّولةِ وأغلظَ، فقالَ له: ما غبتُ حتَّى استنبتُ، ولكن غَرَّني عِزُّ الدِّين، فلم يقبلْ عذرَهُ، وكَثُرَ عليه الكلامُ، فقالَ له الجمالُ: ألكَ عندي غيرُ هذه المئذنةِ؟ الطَّلاقُ الثَّلاثُ يلزمُنِي إنْ أذَّنْتُ فيها حتَّى يموتَ عِزُّ الدِّين وعزيزُ الدَّولة، فتركَه الشَّيخُ، وتركَ الكلامَ معه، وصارَ إذا كانَ الوقتُ يؤذِّنُ على بابِ جبريلَ في الأوقاتِ كلِّها، وأصحابُهُ يَقْتسِمُون عليه الجامِكِيَّةَ (١)، وهي يومئذٍ قليلةٌ، فلما طالَ عُمر عزِّ الدِّين قالَ له النَّاسُ: اعملْ ما عَمِلَهُ غيرُكَ [مِنْ] تركِ الزَّوجةِ بطلقةِ مخالعةٍ، ثمَّ ارجع إلى مئذنَتِكَ، ثمَّ راجعْ زوجَتَك، فقال: لا أفعلُ هذا ولا يُسْمَعُ عنِّي ذلك، ولو كانَ في المئذنةِ ما عسى أنْ يكونَ، ثمَّ إنَّ عزيزَ الدَّولةِ ماتَ، فقيل: إنَّما غضبُكَ مِنْ كلامِهِ وقد ماتَ، فافعلْ ما يفعلُهُ النَّاسُ، فامتنعَ وصبرَ فلما بُنَيِتِ المئذَنَةُ الجديدةُ قيلَ له: إنَّ هذه لم تكنْ موجودةً حينَ يمينِكَ، فاستَقِلَّ بها، فلم يفعلْ، واستمرَّ كذلك حتَّى أرادَ الله تعالى، فجاءَ عِزُّ الدِّينِ


(١) بمعنى التعويض، أو الراتب، وهي كلمة تركية. "معجم تركي إنكليزي"، ص ٢١٣.