للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التقيِّ عبد الرحمن الهورينيِّ، وكان فاضلًا في أهل مذهَبِهِ، وفي أصولِ الفقهِ مشاركًا في العربيَّةِ، وغيرها.

تفَقَّهَ بالبرهانِ ابنِ الفِرْكَاحِ، وطبقَتَهِ، مثل: قاضي القضاة الشَّرفِ ابن البارزيِّ، وغيرِهِ، ومولدُه في سنةِ عشرٍ وسبعِ مئةٍ، وجاءَ إلى المدينة بأخلاقٍ رضيَّةٍ، ونفسٍ زَكِيَّةٍ، فوجدَ اختلافًا كثيرًا، فسكَّنَهُ، وعيوبًا جمَّةً، فَسَتَرَها، وتحبَّبَ إلى قلوبِ المجاورين، والخُدَّام، واستمالَ الطَّلَبَةَ، وحضَّهُمْ على الاشتغال، وتَبَتَّلَ للإفادة، فعكفَتِ القلوبُ على محبَّتَهِ واعتقادِهِ، وانطلقَتِ الألسُنُ بذِكْرِهِ، وشُكْرِهِ، وكنتُ أقول لأصحابي: هذا رجلٌ لا يتطرَّقُ العيبُ إليهِ، ولا يَجِدُ العَدُوُّ فيه مَطْعَنًا، فلمَّا طالت إقامتُهُ بالمدينة، وكَبِرَ أولاده لاذَ به وبهم جماعةٌ مِن شبابِ الطلبة الذين لم تحنِّكهم الليالي والأيامُ، ولم يُربِّهم ذَوو النهى والأحلام، فأظهروا له النصيحة، والكلامَ في أعراضِ أصحابه، ونقلِ مجالسهم إليه، والتَّنميمِ عليهم، فأفسدوا عقيدتَهُ في أصحابه، وكان رجلا متخيِّلًا، فصار يحمِلُ نصيحتَهم له على الغشِّ له، والنصيحةِ لغيره، وصار يحقِّقُ عداوتَهُم له، ويصدِّق النَّمامَ بالظنِّ والتَّخمينِ، والحدْسِ، وصار يتكلَّمُ في المجالس العامَّةِ بما نفَّرَ عنه الكبارَ، وذوي العقول الرَّاجحةِ، ثم سَعَوا حتى أفسدوا ما بينه وبين الخُدَّام من الأُلفة والمحبَّةِ، بحيثُ إنه فوَّضَ إلى الشيخ افتخارِ الدِّين أحكامَ الحرم، والوظائفَ، والكلامَ في الرُّبُط والأوقافِ، وكنتُ ألومُهُ على ذلك، فلا يرجِعُ، فَفَسَدَ حالُ الناسِ من الجهتين، وأُضرِمَتْ نارُ الفتنةِ، وافترقَتِ الكَلِمَةُ، وتحزَّبَ الناسُ أحزابًا، وحاولَ عودَ ما كان جعله للمشار إليه، فلم يَتَمَكَّنْ.